علي مدار سنوات عديدة تمتد إلي حقبة الخمسينيات والستينيات بدأت قرية منشأة عبد الله بمدينة الفيوم، طريقها نحو زراعة النعناع، واتجه معظم مزارعيها إلي زراعة هذا المحصول، حتي ذاع صيتها وشهرتها في مدينة الفيوم وخارجها، واصبحت هذه الزراعة مصدر رزق المئات من أهاليها علي مدار السنوات الماضية، وارتبط اسم القرية بالنعناع البلدي، وكان يأتي إليها من كل حدب وصوب مواطنون وتجار للشراء، ومع ارتفاع أسعار المحاصيل وتكاليف الزراعة الباهظة لم يترك أهاليها هذه الزراعة المثمرة واستمروا في تحدياتهم الكبيرة، وبدأوا رحلة جديدة نحو استخراج الزيوت من المحصول لتحقيق عائد ربح كبير بعد أن كانوا يعتمدون فقط علي بيع المحصول للتجار في الأسواق، وبدأت القرية تخطو خطوات نحو التنمية لكنها تحتاج فقط إلي نظرة من المسئولين لتوفير متطلبات المزارعين واستغلال الثروة الزراعية التي يعملون بها والتي من الممكن أن توفر عشرات فرص العمل، فالقرية التي تتميز بزراعة وإنتاج النعناع لا يوجد بها مصنع واحدلاستخراج زيوته والتي تتم الآن بطريقة بدائية يحاول من يعمل بها لتطوير صناعتها التي تحتاج الي امكانات ومعدات ويأمل المزارعون من الجهات المعنية مد يد المساعدة لتلك الصناعة الحقيقية الشاملة. يقول أحمد عبد الله »60 سنة» ورثت هذه المهنة عن آبائي وأجدادي، فوجدت كل أراضينا يتم زراعتها علي مدار العام بنبات النعناع، ودائمًا في نهاية شهر 7 من كل عام يتم حصاد محصوله ويتجدد مرتين أو ثلاثة علي مدار العام الواحد، وهو ما يعني أن صناعته مربحة إذا ما توافرت الآلية الصحيحة لكيفية تسويقه جيدًا، مشيرًا إلي أن النعناع له فوائد عديدة عند تناوله سواء كان أوراقاً طازجة أو زيتا اذ يساعد علي عملية الهضم ويعالج الصداع والسعال والبرد، كما أنه يخفف من حدة الاكتئاب. ويتابع أن قرية منشأة عبد الله لها أكثر من 100 عام تعمل في هذه المهنة وتوارثتها الأجيال عن الأجداد، وتعتبر القرية الوحيدة بالفيوم التي تعتمد بشكل رئيسي علي زراعة النعناع وإنتاجه وبيعه خاماً. ويشير أحمد حسين »بائع نعناع» إلي أن صناعة النعناع بالقرية موجودة منذ ازمان وفي الفترات الأخيرة تمكنا بمجهودنا الذاتي من استخراج زيوت النعناع من النبات نفسه وبيعه، حيث يتم وضع النبات داخل ماكينة من الصاج أشبه بالقارورة ويوضع علي النار ليتبخر لمدة ساعة ويتم إضافة المياه إليه لمدة ساعة أخري وبعد ذلك يتم تبريده فيطفو الزيت علي السطح ويتم استخلاصه وتعبئته في زجاجات وبيعه، مؤكدًا أن القرية بها نحو 60 مواطنا يعملون في صناعة النعناع ومعظم الأهالي يعملون في مجال بيع النعناع في الأسواق والمحال الخاصة، لافتا إلي أن هناك بعض التجار يقومون بشراء محصول النعناع من داخل الأرض الزراعية من المزارعين بهدف تصنيعه في منزلهم باعتبار أنه سيوفر هامش ربح أكبر. ويشير صفوت غيضان »نجل عبد العزيز غيضان أقدم وأكبر مُصنع لزيت النعناع بقرية منشأة عبد الله، إلي أنه توارث المهنة أبًا عن جد، مشيرًا إلي أنهم يميلون إلي زراعة النعناع »الأورجانيك» الخالي من المبيدات الزراعية ولذلك عليهم إقبال من قبل التجار وبعض المصانع للحصول علي الزيوت، لافتا إلي أنه يقوم بزراعة العديد من أنواع النعناع ومنها النعناع البلدي والياباني والحلاوة وهو نوع يتم استخدامه في مصانع الحلوي ويمتاز بالرائحة النفاذة. وأوضح أنه يقوم باستخراج الزيت المقطر من نبات النعناع والذي يتم استخدامه في مصانع الأدوية ويباع اللتر الكبير ب 40 جنيها، والصغير ب 20 جنيها، بالإضافة إلي أن لتر زيت النعناع الخام يتم بيعه ب 4 آلاف جنيه ولكنه قليل للغاية ويتم استخراجه بصعوبة، ونواجه مشكلة في تصديره علي الرغم من طلبه ويتم تصديره لدول مثل اليابان وفرنسا ويتم استخدامه في صناعة الأدوية، لافتا إلي أن معدات تصنيع النعناع غير مكلفة بالمرة وتحتاج إلي قارورة وتسخين علي النيران لفترة زمنية ليست بالكبيرة حتي الغليان ويتم تقطيره في نفس الوقت، ومن ثم يتم بيعه. وطالب »صفوت» أن يتم الاهتمام بالعاملين في هذا المجال بقريته خاصة أنها تشتهر منذ قديم الازل بهذه الصناعة التي تحتاج إلي تطوير وتعتبر عصب العديد من الأسر بالقرية وتوفر لهم قوت يومهم وعملا لأبنائهم، مشيرًا إلي أن تواجد مصنع في هذا المجال سيجعل من أبناء القرية خلية نحل ويوفر مئات فرص العمل لأبنائهم.