الإسلام دين السلام، ونبينا محمد (صلي الله عليه وسلم) نبي السلام، وتحيتنا في الإسلام السلام، والجنة دار السلام، وتحية أهلها السلام، حيث يقول الحق سبحانه وتعالي في كتابه العزيز : » وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ »، وتحية الملائكة لهم سلام، حيث يقول الحق سبحانه : »وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَي الدَّارِ»، ويقول سبحانه علي لسانهم : »سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ»، ومن أسماء الله الحسني السلام، حيث يقول سبحانه : » هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ». وتعد فلسفة السلم هي القضية الراسخة في الفكر الإسلامي، حيث يقول الحق سبحانه : » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ». ووفق مفهومي الموافقة والمخالفة في فهم هذه الآية فإن من يسير في طريق السلم الإنساني متبعٌ لما أمر الله به عباده المؤمنين، ومن يسلك مسالك الفرقة والشقاق، والتكفير والتفجير، والخوض في الدماء، والولوج فيها بغير حق فسادًا أو إفسادًا، متبعٌ لخطوات الشيطان الذي هو لنا جميعًا عدوٌّ مبين. وقد كان من منهج نبينا (صلي الله عليه وسلم) أنه يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويحسن إلي من أساء إليه، أما معاملته (صلي الله عليه وسلم) لغير المسلمين فترسخها وتتوجها »وثيقة المدينة» التي رسخت لأسس التعايش السلمي بين البشر في أسمي معانيه الإنسانية. وتعد هذه الوثيقة من أفضل النماذج في تاريخ البشرية للعيش الإنساني السلمي المشترك، وإننا في هذا المناخ الثقافي والسياسي الذي يعيشه عالم اليوم، المشحون بالصراعات ومحاولات الاستقطاب، لفي أمسِّ الحاجة إلي العودة إلي هذا التراث العظيم وهذا التطبيق الراقي لحق الإنسان في الحياة والمواطنة المتكافئة، واستلهام روح التسامح التي يفيض بها تاريخنا الحضاري الذي يؤصل للتعايش المشترك علي أسس وطنية وإنسانية راقية. علي أننا نؤكد مع ذلك كله أن السلام لا يُستجدي، إنما ينتزع أو يُعمل له، ولابد له من قوة تحميه، قوة سياسية، وقوة اقتصادية، وقوة علمية وفكرية وثقافية ومعرفية، في ظل عالم تحكمه تكتلات سياسية واقتصادية ومعرفية، مما يتطلب منا العمل الجاد الدءوب لبناء دولنا وأوطاننا، كما يتطلب تعاونا وتكاتفا عربيا قويا يحسب له ألف حساب في المحافل والمؤسسات الدولية التي لا تعرف للأسف الشديد إلا لغة القوة والاعتداد بالنفس ولا مكان فيها للضعفاء أو المستسلمين، في ظل عالم تحكمه تكتلات سياسية واقتصادية ومعرفية ولا مكان فيه لغير الأقوياء. وبغير ذلك لا يكون السلام سلامًا إنما يكون استسلامًا لا يتسق وعز أمتنا وشرفها، فنحن مع السلام وستظل أيدينا ممدودة بالسلام لمن يسعي للسلام، أما الاستسلام فلن يروه أبدا من أمة دينها دين العزة، غير أن هذه العزة لا تتأتي بالكلام وإنما بالعمل علي أن ننتج غذاءنا وكساءنا ودواءنا وسلاحنا وأن نوحد صفوفنا وكلمتنا، وألا نكون عالة علي غيرنا لا من أعدائنا ولا حتي من أصدقائنا، فخير الناس من يأكل من عمل يده، واليد العليا خير من اليد السفلي، كما علمنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم). فلنعمل لتحقيق سلام حقيقي ينطلق من قوله تعالي : » وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ». وإننا حقًا قادرون علي تقديم رؤية ونظرية متكاملة للسلم العالمي تقوم علي أسس إنسانية خالصة تؤمن بحق الإنسان في حرية المعتقد وفي الحفاظ علي دمه وعرضه وماله وفي الحياة الكريمة دون تمييز علي أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق، فكل الدماء حرام وكل الأعراض مصانة وكل الأموال محفوظة، » لا إكراه في الدين» ولا علي الدين، مع إيمان كامل بأن التنوع والاختلاف سنة من سنن الله الكونية الراسخة »ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم»، فيجب أن نتعاون في ضوء المشترك الإنساني، وأن يحل الحوار والتواصل محل الصراع والتصادم. غير أن صياغة مثل هذه النظرية المتكاملة للسلام تحتاج أن ننسق مع كل محبي السلام والمؤسسات الراعية للسلام والداعمة له في مختلف دول العالم من كل الأديان والحضارات والثقافات طالما أن الجامع المشترك هو حب السلام والرغبة فيه والعمل علي إحلاله محل القتال والاحتراب في العالم كله، ودون أي استثناء علي أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق.