(((... تزوجا ومر العام الأول بسرعة البرق.. وفي العام الثاني ظهرت نادية علي حقيقتها.. اكتشف نادر أنه لا يستطيع حصر عيوب شريكة عمره.. عز عليه فراقها بسبب واحد هو طفلهما الوحيد.. طلبت الطلاق فأراد أن يكسب وقتا ربما عادت لرشدها.. فكر طويلا في مقولة أمه التي لا تبرح خاطره لحظة واحدة »علي الأصل.. دور» ثم طلب نادية في الطاعة..!))) نادر وفريد صديقان منذ الطفولة.. ربطت بينهما العاطفة سنوات طوالاً وإن بقيت أفكارهما متباعدة، متناقضة، بل ومتنافرة في معظم الأحوال؟.. وكان كلاهما اسما علي مسمي في مواجهة طبائع العصر الذي يعيشانه.. كان نادر نادرا في رومانسيته ورقته وأخلاقه وحسن ظنه بالآخرين.. وكان فريد فريدا في فهم لغة العصر وركوب الأمواج والصعود علي جثث ضحاياه إلي ما تصبو نفسه وتهفو أطماعه وتتوق أحلامه المريضة!.. ومع الوقت صار نادر كالعملة التي ألغيت وفقدت قيمتها في أسواق الحياة.. الصدق الذي كان يتحلي به أصبحت الأكاذيب الكبيرة تهزمه مثلما تهزم الكثرة الشجاعة في تعاملات البشر.. طيبة القلب يراها الناس ضعفا.. وحسن الخلق صار في نظر البعض سذاجة وإسرافاً في حسن النية!.. أما فريد فقد صار مع الوقت أحد البارزين بين أبناء الحي وزملاء الوظيفة وعموم الناس الذين يتعامل معهم.. ساعدته مهارته في معركته وإيمانه بأن الكتف له مكان يؤكل منه.. سانده ذكاؤه في أن يسبق زملاءه الأكثر خبرة وموهبة وعلما وثقافة! تخرج الاثنان من الجامعة وفرقت بينهما الأيام.. لا نادر أصابه اليأس من الطبائع الغريبة التي صار عليها العصر لإيمانه بأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح.. ولا فريد شبع من المكاسب الظالمة التي حصدها زورا وبهتانا!.. وفجأة جمعت الصدفة بين الصديقين في إحدي إشارات المرور.. فريد يركب سيارة سوداء فارهة ونادر يعبر الإشارة وسط جمع من المارة الكادحين.. نادي سائق السيارة علي نادر.. التفت في دهشة.. فوجئ بوجه يعرفه في المقعد الخلفي يبتسم له مرحبا.. تهلل وجه نادر بالدهشة.. لكن السائق لم يدع له الفرصة ففتح له الباب بعد أن قفز من السيارة بتعليمات فريد بك! تحاور الصديقان في السيارة بعد فراق طويل.. ضحكا من الأعماق وهما يتبادلان القفشات.. لكن ضحكات نادر كانت كالبكاء، بينما كانت ضحكات فريد علي صديقه »الأبله» الذي تخلف عن قوانين ولغة العصر.! لحظات أخري ويعرض فريد علي نادر أن يلتحق بالعمل في شركته الخاصة بمرتب خيالي.. ويعتذر نادر في أدب جم.. وحينما يلح فريد علي نادر أن يقتنص الفرصة بعد أن جاوز عمره الخامسة والثلاثين عاما يتخلص نادر من إلحاح صديقه بطلب مهلة للتفكير! يصل فريد إلي شركته ويأمر سائقه بتوصيل نادر حتي باب بيته بعد أن يمنح نادر أرقام هواتفه ومواعيده وعناوينه في البيت والشاليه وجناح الفندق الكبير!.. يعود نادر إلي بيته وقد دارت رأسه من وقائع اللقاء، لكن سرعان ما ينسي كل شيء ويدير جهاز الكاسيت ويستلقي علي فراشه مستمتعا بصوت الراحلة سيدة الغناء العربي حتي غلبه النعاس! أشرق الصباح.. وكالعادة أمسك نادر بالجرائد يطالعها.. فوجئ بصورة صديقه وسط حراسة مشددة.. اهتز قلبه الطيب وهو يقرأ تفاصيل الاتهامات الموجهة إلي فريد.. لكن عقل نادر كان فرحا لانتصار المنطق والعدالة.. أدرك نادر أن التاريخ لم يفقد هيبته كما كان يعتقد.. وأن العدالة قد تمهل ولكنها لا تهمل.. وأن لغة العصر مهما تبدلت وتغيرت فلابد أن ترجع لمكانها القديم في قاموس الأصالة! هرول نادر بطيبة قلبه المعهودة إلي حيث يقضي فريد أيام الحبس الاحتياطي من باب أداء الواجب.. فوجئ بنادية شقيقة فريد تقف بين الموجودين.. أسرعت إليه تصافحه.. دق قلبه بشدة قبل أن ترتد إليه يده.. لمعت عيناها ببريق غريب.. نسي كلاهما السبب الذي أتيا من أجله.. لحظات خاطفة واسترد نادر تركيزه وعادت نادية إلي سكونها.. لكن ظلت الأعماق مشتعلة والنبضات تكاد تنفجر في العروق! انتهي اليوم بحبس فريد.. ولم تنته القصة الوليدة في الصدور.. تواعد نادر ونادية للذهاب إلي المحامي ليلا.. وتكررت اللقاءات تحت شعار مساندة الصديق بالنسبة لنادر ومؤازرة الأخ بالنسبة لنادية.. أيام وشهور وصدر الحكم ضد فريد بالسجن الطويل وبات ضروريا أن يعترف نادر لنادية التي دفعته دفعا للإفصاح عما يخفيه وتفضحه عيونه.. تصارحا بالحب وتواعدا علي الزواج في أسرع وقت بعد أن بارك فريد هذا الارتباط من خلف الأسوار العالية.. وقبل الزفاف بأيام اختلي نادر بنفسه للبحث عن أسباب تردده وانقباض قلبه نحو المرأة التي صارت أمنية عمره.. هل يرجع تردده إلي نصيحة أمه قبل سنوات طويلة بأن يقطع علاقته بفريد لسوء أصله وانحطاط منبته؟!.. يومها قالت له : »يا ابني في الصداقة والجواز علي الأصل دور» وها هو نادر قبل أيام من زفافه إلي شقيقة فريد يساءل نفسه: تري هل تكون نادية امرأة سيئة لانتمائها إلي نفس الأصل؟!.. شيء ما آخر كان يشجع نادر علي الارتباط بها هو حبها له كما لم تحب امرأة رجلا من قبل.. وكأن نادر وجد ضالته في هذا المبرر.. أغلق ملف القضية.. واستعد لليلة العمر بعد أن نقل ملكية الشقة التي دفع فيها تحويشة عمره إلي نادية.. تزوجا ومر العام الأول بسرعة البرق.. وفي العام الثاني ظهرت نادية علي حقيقتها.. اكتشف نادر أنه لا يستطيع حصر عيوب شريكة عمره.. عز عليه فراقها بسبب واحد هو طفلهما الوحيد.. طلبت الطلاق فأراد أن يكسب وقتا ربما عادت لرشدها.. فكر طويلا في مقولة أمه التي لا تبرح خاطره لحظة واحدة »علي الأصل.. دور» ثم طلب نادية في الطاعة.. لكنها ردت علي إنذار الطاعة باعتراف قدمه محاميها بأن شقة الزوجية باسم نادية والطاعة لابد أن تكون في شقة الزوج..! يقول نادر في نهاية رسالته : الشقة كانت ملكي وأنا الذي تطوعت بكتابة اسم زوجتي في عقد التمليك.. أنا الآن لا أملك أية أموال لشراء شقة أو استئجارها بينما تعيش هي في شقتي التي أصبحت بحكم القانون شقتها وتريدني لو عدت إليها أن تكون هي صاحبة الكلمة العليا بمعني آخر أصبح طرطورا بلا نفوذ وإلا طردتني من شقتها.. نعم أنا أخطأت لكن ما هو الحل الآن.. هل أقتلها واستريح ؟!.. أم أعود إليها لأكون خيال المآتة في شقتي وأتغاضي عن كل أخطائها وأموت غيظا وكمدا من جبروت المرأة التي أحسنت إليها وأساءت لي ؟!