انتهت معركة انتخابات مدير عام منظمة اليونسكو.. وخسرت مصر للمرة الثالثة السباق إلي المنصب.. في الأولي عام 2001 خسر الدكتور إسماعيل سراج الدين.. والثانية منذ ثماني سنوات اقترب الوزير السابق فاروق حسني بشدة.. ولكن بفارق صوت واحد خسر المنصب أمام المرشحة البلغارية.. هل تعلمنا من الدرس ؟ الواقع يقول إننا لم نتعلم.. رغم أن ظروف وملابسات التجربة الأخيرة كانت مختلفة تماما عن الأولي.. فاروق حسني كان وزيرا للثقافة في بلده لسنوات طويلة.. وله علاقات دولية في هذا المجال بخلاف السفيرة مشيرة خطاب القادمة من الأسرة الدبلوماسية والمارة لشهور قصيرة علي مقعد الوزارة.. وعلي الرغم من خلفيتها الدبلوماسية الناجحة والمشرفة.. ومن شخصيتها المتزنة المحترمة.. إلا أن بعدها عن المجتمع الثقافي الدولي أثر بالتأكيد علي موقفها. المجهود الدبلوماسي الرائع الذي بذل في المعركة الانتخابية كان له فضل كبير في أن تصل المرشحة المصرية الي المرحلة الرابعة قبل النهائية.. مجهود بذله الوزير سامح شكري شخصيا وأداره الوزير السابق محمد العرابي والسفير محمد حجازي المشهود لهما بالكفاءة الدبلوماسية.. لكن الانتخابات شيء آخر.. ربما يكون بعيدا عن الدبلوماسية. الصورة كانت واضحة في التصويت الأول.. وأن النهائي سيكون بين المرشح القطري وإحدي المرشحتين الفرنسية والمصرية.. الصراع إذن كان بين الأخيرتين والفائزة منهما ستحصل علي المنصب.. وإن كانت فرصة الفرنسية أفضل.. فهي وزيرة سابقة للثقافة في أرقي بلد ترعي الثقافة.. وتحتضن مقر المنظمة.. ثم أنها صغيرة السن نسبيا يعني أكثر حركة وحيوية.. ولها مشروعات دراسة مع المنظمة.. أي لها رصيد ثقافي محترم.. وبعد كل هذا فهي يهودية من أصول مغربية.. أي أنها تضمن معظم الأصوات الأوروبية والأفريقية التي كنا نراهن عليها. المرشح القطري الذي ظل محافظا علي أعلي الأصوات في المراحل الثلاث لم يكن له أي رصيد سوي محفظته وشنطة فلوسه.. وهي قد حققت له الكثير علي عكس ما كنا نظن.. قال وزير الخارجية إن اليونسكو ليست الفيفا.. لكن الانتخابات أثبتت أن الكل سواء.. وإذا كانت التجارب السابقة قد أثبتت أن سمعة الاتحادات الرياضية ليست فوق مستوي الشبهات.. فان مجتمع التعليم والعلوم والثقافة كان من المفترض أن يكون أفضل. الرهانات التي كان يراهن عليها الفريق المصري كانت أوروبا التي طارت بعد تقدم فرنسا بمرشحتها.. والدول العربية السبع ( مصر وقطر والسودان والجزائر والمغرب ولبنان وسلطنة عمان ) ويبدو أن كلها لم تنتخب المرشحة المصرية رغم التأكيدات » الودية الشفهية » بدعمها.. وأخيرا الدول الأفريقية وعددها 15 دولة خذلتنا الكثير منها.. إما بسبب العلاقات مع فرنسا.. أو بسبب المال القطري.. أضيف إلي كل هذا.. الدور الصهيوني القوي في أروقة المنظمة.. وهو الدور الذي تجلي بوضوح في انتخابات فاروق حسني في صورة عداء علني شديد.. وظهر أيضا في الانتخابات الأخيرة ولكن بصورة مختلفة منها تحفيز الصحف علي الكتابة عن خطر وجود مدير عربي مسلم لليونسكو.. وهو الأمر الذي يتعارض مع مشروعها في تهويد القدس ومحو الآثار الإسلامية بها.. وكان انسحاب أمريكا من المنظمة وتمويلها قبل المرحلة الأخيرة من الانتخابات خير دليل علي ذلك. نحن صورنا المعركة علي أنها بين مصر وقطر علي خلفية الدعم القطري للإرهاب ومقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين لها.. هذا الأمر لم يكن موجودا إلا في وسائل الإعلام المصرية.. ولا وجود له في اليونسكو.. ولا التنظيم الصهيوني الدولي الذي يدير الانتخابات.. بالنسبة لهم كانت مصر وقطر في خانة واحدة. لم تخرج من البلدين كلمة واحدة تسيئ للآخر إلا تصريح الفيفا.. ولكن شخصا مجهولا قيل إنه صاحب مطعم في بلجيكا متخصص في ضرب الكارنيهات ومتنقل علي كل الموائد.. استطاع أن يخترق كل الحواجز الأمنية والدبلوماسية ويهتف بلغة فرنسية ركيكة ضد قطر.. وهو ما حسب ضد الوفد المصري الذي تبرأ منه وأعلن أنه ليس دبلوماسيا ولا عضوا بالحملة.. ولكن لم يتم الإعلان عن كيف دخل إلي القاعة واخترق كل هذه الحواجز. معركة اليونسكو جديرة بالدراسة.. وجدير بنا أن نتعلم من دروسها ونستفيد منها.. وجدير أيضا أن نتعامل مع من وقفوا معنا أو ضدنا بما يستحقونه.