كان الفنان الكبير سليمان نجيب مديراً للأوبرا المصرية، وكان الشاعر عبد الرحمن صدقي وكيلاً، وكان كاتب القصة صلاح ذهني سكرتيراً، وكنا نسرف في طلب تذاكر الحضور مجاناً لنا ولأصدقائنا وصديقاتنا.. وكان سليمان نجيب يضيق بنا ويشخط ويزعق، وفي النهاية يعطينا ما نريده.. هو تعود علي الزعيق، ونحن تعودنا علي الحصول علي ما نريد. وفي يوم تظاهر بأنه لم يعد يحتمل طلباتنا الكثيرة. ولكنه وافق فقد كانت الحفلة التي أريدها سيحضرها الملك فاروق. وما دام الملك سوف يحضر فهناك طقوس كثيرة وقيود شديدة. والحاضرون هم قمة المجتمع المصري من رجال المال والسياسة والنبلاء والنبيلات. إنه الملك. وشرط مستحيل هو: أن ارتدي الردنجوت. طبيعي أنا لا أملك بدلة من هذا النوع، ولكن سليمان نجيب قد اتفق مع مدير المسرح أن يدبر بدلة من المخازن، وهي البدل التي يرتديها الممثلون والعازفون في المناسبات الكبري. واشترط أن أذهب إليه قبل العرض بدقائق، لأنه من الواجب أن أدخل قبل مجيء الملك فبعد مجيء الملك لا أحد يدخل ولا أحد يخرج. وخلعت ملابسي وارتديت البدلة الغريبة العجيبة، وبعد لحظات انطفأت الأنوار ودخل الملك، واستدار قائد الأوركسترا إلي حيث يجلس الملك، وانحني والفرقة الموسيقية ثم الصمت التام. وفجأة شعرت بثورة واقتحام بالإبر ولسع النار في جسمي.. فالبدلة مليئة بالحشرات، وأنا أتلوي والناس إلي جواري وورائي يتململون ولا أستطيع أن أقف ولا أن أخرج ولسوء حظي كان الفصل الأول من أوبرا " القدر" للموسيقار فردي طويلاً. ولا أعرف كيف احتملت الألم. وانتهي الفصل الأول وذهبت إلي مكتب مدير المسرح، فقيل إنه عاد إلي بيته، وبدلتي قد أغلق عليها المخزن ! كل ذلك بالاتفاق مع سليمان بك نجيب. وذهبت إلي فندق أمام دار الأوبرا، وبالصدفة وجدت أحد زملائي في الدراسة، طلبت منه أية بدلة عنده، فقال لا توجد إلا قفاطين السفرجية. وعدت إلي البيت، ولم تكد أمي تراني بالقفطان حتي صرخت. ظنا منها انني قد فصلت من عملي في الصحافة وعملت سفرجياً. وقد تمنت أمي أن أصبح وزيراً مثل قريبها إبراهيم باشا عبد الهادي، الذي كان رئيساً للوزراء وأقنعتها بأنني أقوم بدور سفرجي في إحدي المسرحيات، والقفطان قديم ولذلك عدت بسرعة لكي استحم. ونامت أمي ولم أنم. بقلم : أنيس منصور الشرق الاوسط - 22 ابريل 2008