مصانع»بير السلم» تدفع رشاوي ضخمة لشرائها.. وإعادة تدويرها كارثة مديرو المستشفيات: ندفع 2٫75 جنيه للتخلص من كل كيلو.. وإيراداتنا لا تكفي النفايات الطبية خطر كبير، وأزمة حقيقية في العديد من المستشفيات، وبخاصة الحكومية منها، بسبب ارتفاع تكلفة التخلص الآمن من تلك النفايات، ففي الوقت الذي تشدد وزارتا الصحة والبيئة اجراءاتهما لضمان التخلص الآمن من تلك النفايات، ووجود عقوبات تشريعية مغلظة تصل إلي السجن 5 سنوات، وغرامة نحو مليون جنيه للمخالفين، إلا أن كل ذلك لم يفلح في توفير علاج نهائي وحاسم لمشكلة النفايات الطبية التي لا تزال تنفث سمومها بالمستشفيات، حيث يؤكد الأطباء أنها تنقل أمراضاً فتاكة حال عدم التخلص الآمن منها. كما أن إعادة تدويرها يشكل كارثة بيئية. ولا يقتصر الأمر علي ذلك، فبعض ضعاف النفوس يستخدمون تلك النفايات التي تصل إليهم بصورة غير شرعية وإعادة تدويرها واستخدامها في منتجات رخيصة، تغزو العديد من الأسواق الشعبية بعيدا عن اعين الرقابة، وتتسبب في كوارث صحية. وبينما تواجه المستشفيات الحكومية أزمة حقيقية في توفير التكلفة المرتفعة للتخلص الآمن من النفايات الطبية، تتصاعد الاتهامات بضعف وأحيانا غياب الرقابة علي العديد من المراكز الخاصة، وهو ما يتطلب تدخلا حاسما قبل فوات الأوان. »الأخبار» رصدت واقع التعامل مع النفايات الطبية، وسألت الخبراء عن علاج حاسم للتخلص منها. توجهنا إلي مجموعة من المستشفيات الحكومية الكبري، والتي تمثل مصدرا للنسبة الأكبر من النفايات الطبية، وكانت نقطة الانطلاق من مستشفي الساحل التعليمي، والذي توجد به وحدة للتخلص الآمن من النفايات الطبية، وبعد اطلاعنا علي طبيعة العمل به ، والاجراءات التي تتم للتخلص من النفايات الطبية بحرص بالغ، التقينا بالدكتور عبد الفتاح السيد حجازي، مدير المستشفي الذي أكد ان النفايات نوعان الأول عادية عبارة عن مخلفات زيارات أسر المرضي »الأكياس الفارغة والمعلبات وبواقي الأطعمة، وغيرها من القمامة»، والثاني النفايات الطبية الخطرة وهي عبارة عن أي مواد تدخل فيها سوائل من جسم الإنسان أو دم أو خلافه نتيجة العمليات الجراحية والقساطر وعبوات المحاليل ومعظمها بلاستيكية، ومن الممكن أن تنقل هذه الأدوات أمراضاً فتاكة وإذا حدث لها إعادة تدوير أو استخدام تسبب كارثة. وأضاف أن هذه النفايات الخطرة يتم فصلها في الأقسام الطبية المختلفة عن طريق أكياس بلاستيكية يتم تجميعها بداخلها، وتوضع النفايات الخطرة في أكياس حمراء والنفايات العادية في أكياس سوداء ويتم تجميع كل نوع في غرفة خاصة ويتم وزنها عند استلامها من الأقسام ويوضع علي كل كيس اسم القسم الذي خرجت منه ويتم تسجيلها في دفاتر والتأكد من وزنها لعدم حدوث أي تلاعب وبعد ذلك يتم فرمها وتعقيمها عن طريق جهاز الفرم والتعقيم، وناتج الفرم يتم حفظه في غرفة منفصلة داخل أكياس حمراء وبعد تجميعه يتم نقله مرتين أسبوعيا عن طريق سيارة تابعة لمديرية الشئون الصحية إلي مدافن النفايات الطبية الموجودة بمنطقة 15 مايو والمسئول عن هذه المدافن هيئة النظافة والتجميل التابعة لمحافظة القاهرة وذلك مقابل مبالغ مالية كبيرة تتحملها إدارة المستشفي. عبء كبير وأوضح حجازي، أن مستشفي الساحل يتردد عليه عدد كبير من المرضي يومياً ويتم علاجهم مجاناً في مختلف التخصصات، وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي كان عدد المرضي المترددين علي المستشفي لا يتجاوز 200 مريض فقط يومياً، وقد زادت هذه الأعداد بنِسَب كبيرة مما ينتج عنها زيادة في كمية النفايات الطبية الخطرة التي وصلت من 500 إلي 1000 كيلوجرام يومياً ندفع عن الكيلو الواحد 2.75 جنيه لحساب مديرية الشئون الصحية وتحصل علي 75 قرشاً للنقل وجنيهين لهيئة النظافة والتجميل عن دفن النفايات بما يعادل 30 ألف جنيه شهرياً وهذا مبلغ كبير جداً نظراً لأن المستشفي يقدم الخدمة الطبية والعلاجية للمرضي مجاناً بجانب أيضاً 3500 جنيه أخري لهيئة النظافة والتجميل بعقد منفصل لرفع النفايات العادية »القمامة »، وكل هذه المبالغ عبء كبير يتحمله المستشفي، وللأسف مديرية الشئون الصحية وهيئة النظافة يتعاملان معنا علي أننا مستشفي خاص وليس حكوميا وفي حالة عدم دفع المبالغ المالية المطلوبة أو عدم توافرها يتوقفان عن استلام النفايات الطبية وهذا يؤدي إلي حالة من الارتباك لدينا نظرا لخطورتها الشديدة علي المكان وعلي المرضي والبيئة والزائرين. وأوضح مدير مستشفي الساحل التعليمي أن المستشفي به جهاز فرم نفايات طبية بالكمبيوتر يقوم علي تشغيله عاملان وليس محرقة نظراً لأن المحرقة تحتاج لمكان كبير ولاشتراطات بيئية معينة وهذه المفرمة سعرها الآن لا يقل عن أربعة ملايين ونصف المليون جنيه وإذا حدث بها عطل أو توقفت عن العمل لأي سبب نضطر إلي نقل النفايات الخطرة إلي أي مستشفي آخر لفرمها سواء مستشفي المطرية أو معهد القلب أو أي مكان آخر. وطالب د. حجازي بأن يتم تخفيض تكاليف نقل النفايات من جانب الجهات المسئولة لتخفيف العبء علي المستشفي. نفايات خطرة وفي مستشفي أم المصريين لم يختلف الأمر كثيراً عن مستشفي الساحل علي الرغم من عدم وجود جهاز فرم أو محرقة لدي المستشفي، حيث يتم التخلص من النفايات الطبية الخطرة عن طريق تسليمها لمديرية الصحة بالجيزة والتي تقوم بنقلها إلي المحارق الخاصة بها بمنطقة شبرامنت وذلك مقابل تعاقد مالي بين المستشفي ومديرية الصحة، ويقوم المستشفي بتسليم المديرية نفايات طبية خطرة بين 400 و500 كيلو جرام يومياً، تصل قيمة نقلها إلي 40 ألف جنيه شهرياً يدفعها المستشفي من ميزانيته أو من صندوق تحسين الخدمة، بجانب ان هذا المبلغ يمثل عبئا ثقيلا علي إدارة المستشفي شهرياً. وأوضح أحد المسئولين بالمستشفي »رفض ذكر اسمه»، أن كل ما يوفره المستشفي من مبالغ مالية لا يمكنه من شراء جهاز فرم النفايات الطبية الذي يتجاوز سعره الآن 4 ملايين جنيه. فصل المخلفات وأكد د. محمد مراد يوسف، مدير مستشفي الجلاء التعليمي لأمراض النساء والتوليد والأطفال، أن المستشفي يتبع سياسة للتخلص من النفايات الطبية الخطرة تبدأ من تجميع هذه النفايات وفصلها وإرسالها لوحدة معالجة النفايات وتشمل هذه النفايات القطن وأي شيء به دماء وأيضاً المشيمة بعد عمليات الولادة وأجهزة الوريد وكل ذلك بعيدا عن الأدوات الصلبة مثل السرنجات والمشرط وهذه الأشياء يتم وضعها في صندوق الأمان، وتسلم بعد تسجيل الوزن وتقوم وحدة معالجة النفايات بإدخالها إلي ماكينة الفرم والتعقيم وتخرج منها في صورة أجزاء صغيرة ثم بعد ذلك يتم نقلها عن طريق سيارة تابعة لمديرية الشئون الصحية إلي مدفن خاص من جانب هيئة النظافة والتجميل. وأوضح أن المستشفي يخرج منه بين 200 و300 كيلو نفايات طبية يوميا ويتم تخزينها في غرفة مخصصة لها إلي أن تأتي سيارة مديرية الصحة مرتين أسبوعيا وتتسلمها. وذكر أن النفايات الخطرة هي التي تتسبب في حدوث مشكلات صحية وإذا تسربت ممكن أن تؤدي إلي حدوث تلوث بين الناس وتسربها إذا تم يكون عن طريق أحد العمال داخل المستشفيات مقابل رشوة كبيرة من المال من أشخاص معدومي الضمير ليأخذوا هذه النفايات ويعيدوا تدويرها في مصانع بير السلم بعد غسلها بالماء ووضعها في أكياس جديدة وبيعها مرة أخري. وحول تكلفة نقل المخلفات، أشار إلي أن هناك مستشفيات ليس لديها أقسام فندقية أو اقتصادية، وتمثل هذه التكلفة عبئا كبيراعليها وعلي ميزانيتها ولابد أن يكون هناك حل لتخفيض هذه النفقات حيث توجد مستشفيات تخرج منها كمية نفايات أكبر وتدفع مبالغ أكثر مما ندفعه. وأوضح أنه عندما جاء رجال الرقابة الإدارية للمرور علي المستشفي خلال الفترة الماضية تحدث معهم عن المشكلات التي نحاول حلها بعد أن سجلوا بعض الملاحظات لرفع كفاءة وحدة معالجة النفايات داخل المستشفي ونعمل من أجل ضبط المنظومة بأعلي كفاءة والتحكم في النفايات لعدم حدوث تلوث نتيجة أي تسرب يحدث لها. رقابة مشددة من جانبه، أوضح د. محمد خليفة عضو مجلس النواب، وعضو لجنة الطاقة والبيئة بالمجلس، أن النفايات الطبية تعتبر من النفايات الخطرة المحظور تداولها من حيث النقل أو التخزين أو التخلص النهائي إلا بتصريح من وزارة الصحة وهي الجهة المختصة بذلك، أما بالنسبة داخل المنشآت الصحية »المستشفيات »فلها طريقة للنقل عن طريق عبوات خاصة مغلقة خارج مسار المرضي والأطباء والعاملين ويكون لها مصعد خاص بها ويتم تخزينها في مخزن خاص له مواصفات خاصة جيدة التهوية وله خطة لمكافحة الحريق والطواريء ويتم التخزين لفترة لا تتعدي 72 ساعة لأنها نفايات بيولوجية ممكن أن تتكاثر وتؤدي إلي نشر العدوي. معايير بيئية من جهتها أوضحت الدكتورة ناهد يوسف، رئيس جهاز تنظيم إدارة المخلفات بوزارة البيئة، أن معايير وزارة البيئة للتخلص الآمن من النفايات الخطرة حددها قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية، حيث بين كيفية وأسلوب تداول النفايات الخطرة ومنها النفايات الطبية وذلك من حيث التخزين داخل المنشأة الجمع والنقل والتخلص النهائي. وأشارت إلي أنه يتم أيضاً تقديم دراسات بيئية إلي جهاز شئون البيئة لإبداء الرأي فيها لمراحل »النقل والتخزين والتخلص النهائي»، وذلك قبل البدء في أي نشاط منها لضمان التخلص الآمن والسليم بيئياً، والتطبيق علي أرض الواقع. وأكدت أن وزارة الصحة والمحافظات لا تعطي التراخيص لمثل تلك الأنشطة إلا بعد الحصول علي الموافقة البيئية، أما التخلص الآمن من النفايات الطبية يكون عن طريق أجهزة الفرم والتعقيم أو عن طريق المحارق إما داخل المستشفيات أو بالتخلص المركزي.