حينما ننظر إلي ما يجري علي الساحة المصرية أجد لدي الشجاعة أن أقول أن ما يجري عبث ومغامرات بمستقبل أمة ، وسأعدد في مقالي هذا المخاطر القاتلة التي نتعرض لها ، وسنجد أن هناك نوعين: أولا: المخاطر التي ستؤدي إلي الانفجار: أ) غير مسموح وغير مقبول أن تأتي مظاهرات التطرف الديني من كل جانب وتتخطي حدود المقبول والمتاح والمشروع ولنبدأ بكلمة صريحة لأخوتي وأحبائي من أقباط ماسبيرو: لا توجد دولة في العالم تسمح بمظاهرة تغلق أبواب الطريق وتمنع تجار المنطقة خلال أيام لا تنتهي من الحصول علي رزقهم من أجل لقمة العيش بأي حق ومن يعطيهم هذه الشرعية ، وأضيف كيف يمكن أن يكون مقبولا عقلانيا أو روحانيا أن يتحدي أقباط ماسبيرو كلمة البابا شنودة الذي عودنا طوال عمره أن مصر أولا والكنيسة ثانيا ، لم أر أيضا مظاهرة في العالم تقول لن نغادر المكان قبل أن يستجاب إلي كل مطالبنا..! هذا عبث وشغب مرفوض ، وصدمت حينما سمعت بأذني كلمات غير لائقة يوجهها المتظاهرين إلي رئيس المجلس العسكري ورئيس الدولة أحسست أن هؤلاء المتظاهرون الذين ما كان لهم أن يقفوا أمام مبني الإذاعة والتلفزيون لولا ثورة 25 يناير ، وأن هذه الثورة بدورها ما كان لها أن تستمر بعد اليوم الثاني لولا موقف المجلس العسكري الذي أخذ قراره التاريخي بعدم المساس بثوار 25 يناير. أريد أن يفيق كل هؤلاء وألا يراهنوا علي الصبر غير المحدود وغير المشروط للدولة ، سيأتي يوم يكون هناك ضغوط من جانب الأغلبية الصامتة التي ستنفجر محتجة ومطالبة الدولة بأن تطبق علي أرض الواقع شعار "سيادة القانون ، وأولوية هيبة الدولة ، والضرورة الملحة للحفاظ علي النظام العام" . وكان مصدر دهشة لي أن أري مظاهرة ماسبيرو تطالب بإقالة وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي ناسين هدوء وتعقل وإنسانية هذا الرجل. ب) أما المخاطر التي تأتي من جانب جزء هام من المتطرفين السلفيين ، فيأتوا في هذا البلد الذي له عقيدته الإسلامية وتقاليده التي تحترم الأضرحة والأولياء وحرمة المساجد ، ويعطوا لأنفسهم الحق ويتجرأ عدد منهم وأن يذهبوا إلي تفجير أحد المساجد في شمال سيناء ويهددون الأضرحة ويهددون السلطة الشرعية في وزارة الأوقاف بالاستيلاء بالقوة علي منبر المسجد ليصعد إليه أحد رجالهم. من أنتم حتي تمارسون اليوم حق كل هذه الاعتداءات وبهذه المناسبة تحية تقدير للوزيرعبد الله الحسيني وزير الأوقاف الذي يقف وقفة حازمة لحماية حقوق وزارة الأوقاف وشرعية المساجد واحترام منابرها بدعم وتأييد من المجلس العسكري . ج) ويأتي دور الفلسطينيين ليخرجوا أيضا بمظاهرات لا تنتهي مع بعض المصريين المؤيدين لهم يمنعون المرور قبل أن يترتب علي ذلك أيضا اصطدامات أمام السفارة الإسرائيلية مطالبين بطرد السفير الإسرائيلي. هذا النوع من العلاقات بالغ الحساسية وهو مهمة الدولة والدولة وحدها، وأذكر أخوتي الفلسطينيين أنني أمضيت في فرنسا وأوروبا جزءا هاما من عمري أجول في مدنها دفاعا عن الحق الفلسطيني ، وكانت لي علاقات وثيقة بقائد ثورتها الرئيس الراحل ياسرعرفات وبواحد من أعظم شهدائها عصام السرطاوي ، فلست بحاجة لمزايدة اليوم وأنا أقول أن مصر قامت بواجبها تجاههم وعملت المستحيل من أجل المصالحة بين الفصائل الفلسطينينة بين "فتح" و"حماس" بفضل الدور النشط والوطني والواعي الذي يقوم به رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء مراد موافي دون أن يمن عليهم أحد ، وأن من حقنا أن نتفرغ إلي حل مشاكلنا ، وألا نقبل ذهاب مسيرات إلي رفح لأننا لا نريد خلط الأوراق بعد أن أدينا الواجب تجاههم ، إن رفح في رأيي هي خط أحمر لا يجب المساس به. ثانيا : كما أن هذا النوع من العبث و المغامرات غير المحسوبة ستؤدي بنا إلي حرمان وتجويع هذا الشعب : لقد مررنا جميعا مرور الكرام ونحن نتابع أخبار الصدام بين هذا الشعب بسبب عجز السولار في السوق مثلا وما سيؤدي إليه حتما إلي خلق أزمة في القمح الذي حان وقت نقل محاصيله ، وغدا سيتبعه البنزين ومواد غذائية أخري سيحرم منها هذا الشعب.. ولم يحصل أن جاء لنا وزير مالية يضع الحقائق كما هي أمام الرأي العام وحينما نري الصورة التي يرسمها - والمخيفة واقعيا - عن انحدار أهم قضية وهي الإنتاج والمخاطر التي عبر عنها أخي وزميلي سليمان جودة في مقال الأحد حول الحقيقة التي تتوه منا ، وتكلم عن ثلاثة ملايين عاطل ومليون خريج هذا العام ، فضلا عن العائدين من ليبيا ، من سيعطي كل هؤلاء عملا ليحميهم من الجوع قبل أن ينفجروا بدورهم إلي شوارع القاهرة منضمين إلي ثورة الجياع قبل أن ينضم إليهم مغامري العشوائيات.. إن أخطر ما تفجره المظاهرات الاحتجاجية والفئوية هو إبعاد نظر الرأي العام عن بيت القصيد الذي يتطلب من كل مصري شريف أن يطالب به بكل قوة وحسم وهو أن الأولوية المطلقة اليوم وليس الغد "سويا إلي شرف العمل ودفع عجلة الإنتاج حتي ننقذ شعبنا من الانفجار والجوع". بعد أن انتصرت ثورة 25 يناير علي الظلم والفساد ، نريد من عقلاء ومفكري وإعلاميي هذه الأمة أن يقوموا بتحرك ينقل أولويات واهتمام الرأي العام إلي الاقتصاد والاقتصاد والاقتصاد. كل ما قلناه في هذا المقال لا يمكن أن ينفصل عن أولوية كبري وهي عودة الاستقرار والأمن إلي الشارع وإلي حياتنا ، لست متشائما بطبعي ، ولكن إذا لم نذهب إلي لغة العقل فستزداد أعداد المغامرين والبلطجية وأعداء الاستقرار ليعثوا في الأرض فسادا.