ما يحتاجه النيل اتفاقيات تعاون وتفاهم، لا يحتاج إلي صراعات أو تنافس فالخلاف في قضية حياة أو موت. لا طريق ثالثاً له بين الحل بالود والتفاهم.. أو الحروب والصراعات، وليست هذه دعوة للتشاؤم أو ان الحرب علي مياه النيل تدق طبولها، ولكنها اشارة إلي اصابع خفية، لا تستطيع التلاعب في مجري النيل، ولكنها تستطيع العبث والتلاعب بالعقول. وهذه هي المشكلة القائمة حاليا بشأن توقيع الاتفاق بين دول حوض النيل.. علي مدي السنوات الخمس عشرة الماضية. والانقسام ما بين دول المنبع ودول المصب وهما مصر والسودان.. ولا يمكن ان تتخلي مصر.. ولا يجب ان تتصور دول المنبع ان مصر يمكنها ان تتخلي عن حقوقها في نقطة مياه و احدة، فالنيل منذ الازل وكان وسوف يستمر قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر، والتي لا يوجد لديها مورد مياه اخر غيره، وتعتمد عليه الزراعة بنسبة 59٪.. ولذلك كان النيل دائما علي رأس اولويات اي نظام سياسي منذ توقيع اول اتفاقية بشأن مياه النيل في 51 ابريل عام 1981، والمعروفة باسم بروتوكول روما وما تلاها من اتفاقيات حتي اخر اتفاق عام 9591. كما اهتم اي نظام سياسي مصري بالقضية باعتبارها امنا قوميا واداة ضغط سياسية في اي صراع ضد مصر، وهو الامر الذي يكشف عن نفسه في الموقف المتعسف من دول المنبع. واصرارها علي رفض النص في الاطار الاتفاقي الجديد علي البنود الثلاثة التي تطالب بها مصر والسودان والتي كفلتها الاتفاقات السابقة، بل وتضمنتها نصوص الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي. وهي النص الواضح والصريح بضمان امان مصر المائي والكميات المتفق عليها (55 مليار متر مكعب سنويا).. والاخطار المسبق من دول المنبع لكل من مصر والسودان بأي مشروعات مزمع اقامتها علي النيل. واتخاذ القرار بين دول الحوض بالاجماع أو بالاغلبية علي ان يكون من بينها مصر والسودان. والاخطار المسبق ليس تعنتا من مصر والسودان ولا رفضا لحق دول المنبع في اقامة مشروعات التنمية التي تراها. ولكنه حق مكفول بحكم الاتفاقيات بالتفاهم حول أي مشروعات أو سدود تقام علي النيل، وضمان الوفاء بنسب الدول من كميات المياه المنصوص عليها في الاتفاقيات. ومصر في هذا الجانب قدمت علي مدي السنوات الطويلة الماضية، المساعدات الفنية والمادية الكبيرة لمساعدة دول المنبع في الاستفادة من كميات المياه واقامة المشروعات التنموية لشعوبها. ودائما ما كانت العلاقات ما بين جميع دول حوض النيل قائمة علي التفاهم والتعاون حتي بدا من الواضح مؤخرا موقفها المتعسف البعيد عن هذه الروح بإصرارها علي التوقيع علي الاتفاق منفردة، بصرف النظر عن موافقة مصر والسودان من عدمه.. وهو الامر الذي يقتضي دراسة لكامل السيناريوهات بشأن معالجة الازمة خلال جولة المفاوضات القادمة في حالة اقتناع دول المنبع بعقد هذه الجولة والبحث عن الاصابع الخفية، للدول التي ترتع في افريقيا حاليا وفي مقدمتها اسرائيل. بينما اعتمدنا نحن علي رجال الاعمال المصريين والقطاع الخاص. وهو مفهوم عصري منطقي لتفكير الدولة. ولكن نسينا ان القطاع الخاص المصري لم يتخط بعد مرحلة الانتهازية وان ما يهمه كم يكسب وبأقل مجهود!