المفاجأة المتكررة أن كثيراً منهم حليق لامع الوجه، إلا أن أسلوبه في الكلام، وصياغة عباراته يفضح انتماءه للطابور الخامس من الخلايا النائمة الخميس: لم يعد وصف »الخلايا النائمة» يليق بنشاطهم، وبجاحتهم، وسفورهم، بعضهم يرفع شعار: »علي عينك ياتاجر»، ومن يملك لهم شيئا يتفضل بفعل مايشاء، فلن يستطيع أن يزحزحهم قيد انملة عن مواقفهم. خلال الفترة الأخيرة ترددت علي أكثر من وزارة وهيئة حكومية، هناك يصدمك الاداء الذي لايبالي بأنك صاحب حق في خدمة أو انجاز ما أتيت من أجله. الواحد منهم قادر بكل جبروت علي »تعطيل المراكب السايرة» يتفنن في ذلك، وإن كان عاجبك، طيب لايعجبني ما تفعل، ودون أن يقول لك لامؤاخذة، يوحي إليك بكل ما أوتي من بجاحة، وبكل وقاحة يكون لسان حاله: - أعلي ما في خيلك اركبه»!» يتفننون في جلب النكد والغم لكل من يتردد عليهم، أو يلقيه حظه العثر في طريق هذه الخلية النائمة أو تلك. تشكو أحدهم لرئيسه، وتنقل إليه ظنونك، فيؤكدها، ثم يفاجئك برد قاطع: - لا أستطيع أن أفعل له شيئا أو أعاقبه ولو إدارياً أو معنوياً، باختصار انه »مسنود» ممن يملك ايذائي، فلماذا أجلب لنفسي »وجع القلب»؟! احياناً تخشي أن يكون الموظف الملتحي خلية نائمة، فإذا به مصري طيب يقتدي في اطلاق لحيته بالسُنة لا أكثر، لكن المفاجأة المتكررة أن كثيراً منهم حليق لامع الوجه، إلا أن اسلوبه في الكلام، وصياغة عباراته يفضح انتماءه للطابور الخامس من الخلايا النائمة. الأخطر من الجُمل التي يستخدمها في حواره معك، ومع غيرك من الجمهور، طريقته في دفعك باتجاه الضجر واليأس، وترسيخ فكرة أن مصلحتك بعيدة المنال، وأن عليك أن تتحلي بأكثر من »صبر أيوب» ربما تصل بعد وقت طويل ومثابرة إلي نصف ماتستحقه! ............................. الناس تعاني فوق ما تحتمل وتستطيع، وهؤلاء يضيفون فوق الاثقال تلالاِ، وفوق المتاعب جبالا لاقبل للغلابة من أصحاب الحقوق بحملها. استمرار الخلايا النائمة التي اعاني، وتعاني ، ونعاني منها جميعاً، أمر يصعب احتماله، ولابد من حل جذري للمواجهة العاجلة، ولعل اعلان تشكيل المجلس الأعلي لمكافحة الارهاب يكون بداية العلاج الناجع. اتساءل، ومعي الملايين : لماذا لم يظهر مجلس مكافحة الارهاب للنور لمواجهة الخفافيش التي لاتنتظر الليل لتمارس هوايتها، بل وأصبحت تخرج لسانها للجميع في وضح النهار؟! من الآن وحتي يتم استئصال هذه الخلايا السرطانية لاتقل »خلايا نائمة» ولكن قل »خلايا متبجحة»! حب المعلبات! السبت: مازال أسري الصور النمطية المعلبة يحتلون مواقع حاكمة خطيرة ومؤثرة. مثلا ، رئيس الهيئة القومية لمحو الأمية يتبني مقولات ينفيها الواقع جزئياً -علي الأقل- بينما يتعامل معها باعتبارها حقائق لايأتيها الباطل من أي جانب. »الجهل والتطرف وجهان لعملة واحدة». »الارهاب يستغل البسطاء». هكذا يفكر، ويشخص الرجل المسئول عن محو الأمية الظاهرة الارهابية. كلام كان يصلح لتوصيف المسألة منذ عقود مضت. اليوم، وعلي مدي سنوات طويلة قد يجتمع التطرف الفكري والديني مع حاملي الشهادات العلمية المتقدمة. الآن وفي الأمس القريب والبعيدنجد تنظيمات ارهابية تراهن علي اشخاص ينتمون اجتماعيا لطبقات لايمكن وصفها بالبساطة علي أي نحو. المشكلة أن مصانع الارهاب، وخطوط انتاج التطرف تركز عند اختيار خاماتها البشرية علي عناصر تختلف إلي حد بعيد عن النهج القديم الذي مازال راسخاً في عقول من يجلسون علي مقاعد تفرض عليهم أدواراً حاسمة في المواجهة الشاملة للتطرف والارهاب. هل يتابع المسئول الأول عن محو الأمية -بدقة- تطور الظاهرة الارهابية، وتجليات التطرف، والمتغيرات المتسارعة للمستوي الاجتماعي والثقافي لمن يحملون ڤيروس الارهاب وجرثومة التطرف في آخر طبعاتها؟ ليت الدكتور عصام قمر يلفظ التوصيفات المعلبة، ويدرس الواقع ويقترب منه أكثر، لعله يستطيع أن يكون اكثر دقة وفاعلية في مواجهة الوباء الذي يحاصر الحياة والمستقبل من كل اتجاه. تُقل دم.. آخر حاجة الأحد: المشهد يصعب تصنيفه. تارة تري أبطاله يجسدون مايدعو للسخرية المريرة، وأخري يدفعونك نحو ضحك أقرب إلي البكاء! شيء يدعو للحيرة، لكني سرعان ما تخلصت منها، واستقر الرأي علي وضع ما أري وأسمع في خانة الكوميديا السوداء. مذيع، مطرب مغمور، ملحن لم يطرق أذني اسمه من قبل،ومؤلف اغاني ركيك الاسلوب. إلي هنا والمذيع حر مع طاقم إعداده في اختيار من يشاء من ضيوف، والقناة حرة في حشو الهواء بأي كلام غث بلامعني ، وانا وانت أحرار في أن نتابع أو نبحث عن قناة أخري. المدهش في الأمر، موضوع الحلقة. هذا الركام البشري يتحدث عن كيفية استعادة القوة الناعمة المصرية لدورها»!!» عشرات علامات التعجب لاتكفي للإعراب عن تقييم ما يجري علي الشاشة. بالذمة أي قوة ناعمة يقصدها أو يعرفها هؤلاء، أو يستطيعون ترجمتها في أي من أعمالهم حتي تستعيد مصر قوتها الناعمة علي أيديهم؟! إذا كان هذا الخيار مطروحاً، فإن هذه العينة من البشر كفيلة بسحق المفهوم من أساسه، ليس في مصر وحدها، ولكن في نصف المعمورة علي أقل تقدير. قاومت رغبة عارمة في تغيير القناة حتي أري محصلة تلك المهزلة، فإذا بالمذيع يختتم برنامجه بادعاء غريب: - فتحنا ملفاً مهماً، وسوف نستمر في مناقشة القضية خلال حلقاتنا القادمة بإذن الله. ............................. مع موسيقي التتر كانت مفاجأة أخري بانتظاري، لائحة المعدين بينها أسماء لابد أنها تعي خطورة القضية المطروحة، أحدهم اعرفه عبر صديق مشترك، ومن فوري هاتفت الأخير طالباً رقم محمول المعد. جاء رده فورياً من أول رنة : - لابد أنك شاهدت برنامجي، مارأيك؟ الحقيقة أن ما أقوله غالباً لن ينال رضاك، يا أخي هل هؤلاء ضيوف يستطيعون الحديث عن القضية التي اخترتها لاثارتها في برنامجك؟ - يبدو أنك لاتتابع الحركة الفنية، انهم نجوم المرحلة، ومن هو الاقدر منهم علي معالجة هذه القضية المهمة»!!» اعتقد أننا نتحدث بلغتين مختلفتين تماماً. - أبداً أنا استفيد من النقد البناء، وسوف تري الرد عملياً في الحلقة القادمة. طيب.. اذا كان الأمر كذلك، أتصور أن تعالج مفهوم القوة الذكية، لا الناعمة، فالزمن تجاوز ثنائية القوة الخشنة والناعمة. - عظيم، هل تتفضل باقتراح اسماء الضيوف، انا مقتنع تماماً باقتراحك. وبدأت في طرح الاسماءالتي اتوسم في امتلاكها القدرة علي الحديث، وشرح المفهوم، فإذا بالسيد المعد يقاطعني: - عفواً، هؤلاء لايمكن اعتبارهم من نجوم المرحلة، »دول عليهم تقل دم آخر حاجة». صمت برهة، ولم أجد رداً مناسباً، انهيت المكالمة بالعبارات التقليدية، حتي لا ألحق بطابور اصحاب الدم الثقيل، وقلت لنفسي: ربنا يشفيهم من الخفة الزائدة، والجهل المركب. في انتظار الأمل الإثنين : الرجل الثاني في الأرجنتين.. امرأة! الي هنا والأمر أصبح معتاداً، فالسيدات شغلن المقاعد الأولي للمسئولية في عديد من الدول. غير أن ما يستوقف في نموذج السيدة مارتاجابرييلا نائب الرئيس الارچنتيني انها من متحدي الاعاقة. مارتا تمارس كل انشطتها العامة علي مقعد متحرك.. هكذا ظهرت صورتها خلال استقبال الرئيس السيسي لها. تأملت الفرق، في الحالتين المصرية والارچنتينية، عندنا ثمة جهات عدة تتحايل للالتفاف علي النسبة التي يحددها القانون لمتحدي الاعاقة في شغل الوظائف.. عندنا يعاني من تصلح قصص بعضهم لوصفها بالبطولة من المضايقات في مواقع كثيرة.. عندنا الارصفة، ومداخل البنايات الخاصة والعامة غير معدة لاستقبالهم.. عندنا.. وعندنا.. يمكن أن تطول القائمة لتفضح معاناة من كتب القدر اختبارهم، فولدوا أو صادفهم مرض أو حادث، فأصبحوا من متحدي الاعاقة، ليبدأ مشوارهم مع مكابدة كل المشاق، لايشفع لهم اجتهاد في دراسة، أو تميز في رياضة، أو تفوق في عمل. في منتصف عمرها تقريبا تعرضت مارتا لحادث اقعدها، إلا انها وباصرار واصلت انطلاقها في تحصيل العلم، والعمل السياسي حتي صارت نائبا للرئيس. اطلقت العنان لخيالي، هل أعيش لأري في بلادي متحدياً للاعاقة وزيراً أومحافظا؟ هل يوفر المجتمع مناخاً مرحباً ومحفزاً لأحد النوابغ من متحدي الاعاقة ليرتقي سلم الوظيفة أو العمل العام ليعتلي قمته؟ متي أري نسخة مصرية من مارتا جابرييلا؟ من أجل مصر.. لا عبدالناصر الثلاثاء: اليوم ، قبل 65 عاما، كان يفصل مصر عن انطلاق شرارة ثورة يوليو نحو 120 ساعة. العد التنازلي لغروب نظام، وشروق الثورة بدأ، ومعه كانت مصر علي موعد مع إطلالة وجه عبدالناصر. كان ثمة شوق إلي بطل منقذ أو مخلص، كان الامر يشبه إلي حد بعيد استدعاء صورة القمر في ليلة ظلماء، أو صورة الخبز للجائع وقد أشرف علي حافة الموت. بعد مرور كل هذه الأعوام مازال عبدالناصر رغم فرادته كأحد أهم شخصيات التاريخ الحديث والمعاصر مصرياً وعربياً ودولياً، مازال بحاجة إلي دراسة نقدية موضوعية تفند عصره، وتسلط الضوء علي الانجازات والاخفاقات بذات القدر، والقدرة علي الفرز السليم، ليس فقط لانصاف عبدالناصر أو ادانته، ولكن لأن الأوطان تتقدم عندما تستطيع أن تقرأ دروس التاريخ وعبره. صحيح هناك العديد من المحاولات في هذا الاتجاه، إلا أن الكثير منها لم ينج من الانحياز مع أو ضد التجربة وقائدها، وثمة أصوات ارتفعت -كاتب السطور أحدها- مطالبة بتقييم علمي عادل يتجاوز “دروشة” البعض، وغلاً كامناً في نفوس البعض الآخر، لكن الحاصل ان “المحصول الايجابي” مازال متواضعاً! قليلون ارتفعوا إلي مستوي المهمة ولكن بجهود فردية وكثر انقسموا لفريقين الأول يرفع الرجل إلي منزلة الملائكة، والثاني لا يجد فرصة لشيطنته وادانة تجربته بكل أبعادها، إلا واغتنمها ومن ثم لا يتمنون أي انجاز يحسب له! ............................. البسطاء وآحاد الناس، وطبقات ذاقت ناتج اصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية، وقبلها انجازاته الوطنية من إجلاء الإنجليز، وتأميم القناة، وبناء السد، وإعادة بناء الجيش وحرب الاستنزاف، هؤلاء جميعاً وأبناؤهم وأحفادهم ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم العربي لم يجدوا سوي صورة عبدالناصر ليرفعوها حين ثاروا علي الاستبداد والظلم والعسف، عندما تحركوا قبل ست سنوات مطالبين بالتغيير. رغم مرور أكثرمن 40 عاماً استلهم الذين يتطلعون للعدل والحق في حياة كريمة، واستشراف مستقبل علي قاعدة العزة والكرامة، استلهموا عبدالناصر، فكان ظله ضافياً علي ميادين التحرير العربية. راحت السكرة، وجاءت الفكرة، تجاوزت الملايين المتعطشة للحق في حياة أفضل، لحظة الشوق للكاريزما التي يجسدها عبدالناصر، ومن جديد استيقظ العقل مطالباً بقراءة تحليلية نقدية واعية وأمينة، منهجية وعلمية لرجل وتجربة، وثورة كان لها مالها وعليها ما عليها. ثمة سؤال مركب: لماذا لا يتم الافراج عن جميع الوثائق الخاصة بتجربة ثورة يوليو التي قادها عبدالناصر؟ لماذا يلجأ الباحث المصري والعربي لأرشيفات غربية دون أن يجد ضالته في أرشيفه الوطني؟ ولماذا لايتاح للجادين من الباحثين الاجانب الاطلاع علي ما يحتويه الارشيف المصري من اوراق ووثائق تسمح لهم بدراسات مقارنة منصفة ؟ مطلوب اجابات عملية سريعة ليس من أجل الثورة وعبدالناصر، ولكن من أجل مصر وتاريخها ومستقبلها، وأجيال من حقها أن تعرف الحقيقة كاملة قبل أن تندثر للابد! أتمني ألا تكون صرخة في واد أجدب، ناسه من الصُم، أو من اولئك الذين يكرهون البحث عن الحقيقة. هكذا تحتفل وتحتفي الشعوب الحية بتاريخها وابطالها وثوراتها.