مادام عقل هذا المجتمع مسكونا بالعنصرية ستظل مصر رهينة تمييز طبقي يعجز أبناء الفقراء عن اللحاق بركب الحياة. العنوان أعلاه خطيئة، ولكنه للأسف عنوان عريض مرسوم علي وجه هذه الأيام الكالحة، ويعجب من في قلبه مرض العنصرية من تفوق مريم كونها »بنت البواب»، وردت عليهم مريم بنت الفقراء، بأنها فخورة بأبيها البواب، التفوق ليس حكراً علي » أولاد البشوات». تعلية وصف »بنت البواب» في عناوين الثانوية العامة، يؤشر مجدداً علي مرض عضال أصاب المجتمع المصري، فصار هناك ابن الزبال وبنت البواب، وكلنا ولاد تسعة، ولكن هناك من يميزون بين بنت البواب وبنت البشوات ! مادام قاع هذا المجتمع، وعقله الجمعي مسكونا بالعنصرية ستظل مصر رهينة تمييز طبقي يعجزها عن الانطلاق، يعجز أبناء الفقراء والبسطاء عن اللحاق بركب الحياة. لم يبرأ المجتمع المصري بعد من عنصريته، والعنصرية بلغت حدود أن يستكثر وزير سابق علي »ابن الزبال» ولوج سلك القضاء، وخرج الوزير بلفظه ملفوظاً من الوزارة، وتبقت العنصرية تسري حتي بلغت »بنت البواب»، وكأن أولاد الفقراء ليس لهم مكان في »عصر الباشوات ». عجيب أن يسأل كائن فضائي محلق في الهواء في زمن المساواة، هل تقبل أن تزوج بنتك لابن الزبال؟. وتوالت الردود صاعقة، يأنفون من رائحة » ابن الزبال »، وهو أكرم منهم جميعاً بلا استثناء، كما أن مريم أرقي في حديثها وإيمانها وعقيدتها التي مكنتها من الفوز بالقلوب قبل أن تحتل المركز الأول في الثانوية. التركيز الإعلامي الطبقي الفاسد علي كون مريم »بنت البواب» التي تفوقت، يستبطن عنصرية ضاربة في جذور المجتمع، وما شيوع الألقاب والبيه والباشا، وعودة ألقاب التفخيم من سيادتك وفخامتك ومعاليك، والقسمة المجتمعية بين أولاد البوابين وأولاد البشوات، قسمة ضيزي، عجباً لمجتمع يستعيد أوضاعا ثار عليها أولاد الفلاحين في ثورة 23 يوليو! مثلا، مزور تاريخي حاقد طبقياً لم ير في الزعيم جمال عبد الناصر سوي أنه »ابن البوسطجي»، وهناك فيلم سينمائي مقرر علي احتفالات ثورة يوليو محوره الرئيسي »ابن الجنايني»، وبين بنت البواب وابن الجنايني 65 عاماً مرت دون أن تختفي هذه النغمة الرذيلة المرذولة، التمييز الطبقي مستبطن في قرار العقل المصري حتي ساعته وتاريخه وعليه إلحاح. نفسي ومني عيني أن تختفي مثل هذه التصنيفات البغيضة من قاموس المصريين، البواب كالزبال كالفلاح ناس شرفاء، يأكلونها مغموسة بالعرق، يخوضون صراعاً قاسياً مع ظروف الحياة، وينجحون في البقاء علي قيد الحياة، ويطمحون لمستقبل أفضل لأبنائهم، ولكنهم يصطدمون دوماً بحائط رفض مجتمعي، المجتمع يعاقب أبناءهم بالأصل والفصل والحسب والنسب. لا يغير الله قوماً، فلتتغيروا وتغيروا ما في أنفسكم من عنصرية يرحمكم الله، الفقراء أحباب الله، والنجاح من عند الله، هل يغيركم نبوغ مريم؟.. أشك !. هل تغيركم عظمة مريم.. أشك !. أبناء الذوات والبشوات والبهوات لهم كل الفرص، ولربما اهتبلوا فرصة مريم في قادم الأيام ! الفقراء لابواكي لهم، كل من وصف مريم احتفاء بابنة البواب، يهين نفسه ويشين مجتمعه، وعليه الحفاوة ببنت البواب رئاسياً وجوبية وستحدث في مؤتمر الشباب بالاسكندرية، ولكن العنوان ليس أبداً بنت البواب، بل » بنت مصر» التي خرقت سقف التوقعات، ولم يعجزها الظرف، وتحدت الصعب، وأنجزت لمجتمعها نموذجاً ومثالاً.