لولا العزف المنفرد الذي قدمه ليونيل ميسي في الدقائق الاخيرة من الكلاسيكو العالمي بين ريال مدريد وبرشلونة لاعتبرنا هذه القمة الاوروبية الاسبانية مباراة عادية في كرة القدم.. لأن المباراة التي احتشد عشاق اللعبة في العالم للفرجة عليها في ذهاب الدور قبل النهائي لدوري ابطال اوروبا قدمت كل اشكال الاثارة في غير كرة القدم وبدت للمصريين في اجوائها وكأنها واحدة من القمم التقليدية بين الاهلي والزمالك فجاءت المواجهة الاوروبية الاسبانية بنكهة مصرية في الخوف والرعب والعنف والاحتكاك داخل الملعب ورفضت قرارات الحكم والطرد واقتحام الملعب والحرص اولا واخيرا علي عدم الهزيمة وتجنب المغامرة حتي اننا لا نذكر فرصة حقيقية اهدرها الريال وهو يلعب علي ارضه ووسط جماهيره التي حلمت باكمال حلقة حصار تدفق البارسا كالشلالات في الكرة الاسبانية بعد الفوز المفاجيء في نهائي الكأس. المتعة في المباراة تجاوزت فنون اللعبة وجمالياتها رغم حشد النجوم في الملعب.. بل توفرت للمشاهد من خلال حلاوة الصراع وحدة المنافسة والاجواء السياسية والاجتماعية والاعلامية التي تحيط بها.. وكأن دولتين متنافرتين سياسيا تلتقيان في حدث رياضي كبير برشلونة الذي يمثل مقاطعة كاتالونيا المنفصلة في ضمير شعبها عن اسبانيا حتي لو كانت دستوريا وسياسيا جزءا من الدولة.. ذهب الي مدريد العاصمة وكأنه سافر الي دولة مجاورة كارهة دائما للبارسا ليلاقي فريقها الملكي العتيد ريال مدريد. تستطيع بسهولة الربط بين ما تشاهده وما سبق ان شاهدته في »قمم« الاهلي والزمالك.. وجوه متجهمة خائفة تترجم قدرا هائلا من الشعور بالمسئولية.. اللاعبون بوجوه جامدة والمدربان مورينيو وجوارديولا بعيون زائغة.. هذه الظاهرة متفردة في اوروبا وليس لها مثل الا في دربيات اخري شهيرة لكنها اخف وطأة مثل بوكاجونيور وريفربلات في الارجنتين، وميلان والانتر في ايطاليا وروما ولاسيو في ايطاليا ايضا، ومانشستر يونايتد ومانشستر سيتي في انجلترا. اما في الملعب. فانك تستمتع اولا بترقب النتيجة قبل الاداء ومتابعة ردود فعل مورينيو المشاغب وجوارديولا الفليسوف كما اطلق عليه النجم السويدي ابراهيموفيتش من باب التهكم وهو يرحل عن برشلونة.. ويزداد التشويق وانت تقارب بين افضل لاعبين في العالم ميسي ورونالدو.. وبينهما سباق افضلية خاصة جدا.. والصراعات الثنائية فوق المستطيل الاخضر خاصة بين الفيس ودي ماريا. كان صراع العقول في الملعب اكثر تشويقا من فنون ومهارات النجوم.. ومن الوهلة الاولي تكتشف ان جوارديولا استفاد من درس نهائي الكأس.. عندما تفوق سلاح انقضاض ريال مدريد علي سلاح استحواذ برشلونة.. وحدث العكس في قمة اوروبا.. تفوق الاستحواذ علي الانقضاض.. كان مورينيو مكشوفا وهو يراهن علي تفتيت جماعية لاعبي برشلونة والتحفز لقطع الكرة والانقضاض الهجومي السريع بمرتدات تصل الي رونالدو فيجري بسرعته ومهارته في مساحة واسعة ليشكل خطورة.. لم يحدث ذلك لان جوارديولا وضع عينه علي رونالدو وحرمه من الاستحواذ المريح علي الكرة وضغط عليه بلاعب وراءه لاعب اخر يتعامل معه اذا افلت. وقبل ربع ساعة من نهاية المباراة كان مورينيو يفعل ذلك مع ميسي.. يحاصره في اي مكان بحلقة متكاملة من اللاعبين في اطار تكتيك تضييق المساحات حول لاعبي البارسا للقضاء علي مهارة الاستحواذ الجماعي. الا ان عبقرية النجم هي التي تصنع الفارق.. ويكفي ان يفلت مرة أو مرتين ليغير كل شيء.. وقد فعلها ميسي بعد طرد المدافع المزعج بيبي ثم طرد مورينيو نفسه.. ووجه النجم الارجنتيني ضربة قاضية الي منافسه الرئيسي رونالدو الذي كان بعد نهائي الكأس قد اعلن انه بصدد التخطيط لاستعادة الكرة الذهبية العالمية. بالغ الفريقان في الالتزام الخططي والتكتيكي .. وانتظر ريال مدريد اندفاع برشلونة كطبيعته الي الامام لكي يقطع الهجمة ويرد عليها بانقضاض.. لكن برشلونة فاجأه بالوقوف منتظرا في ملعبه وكأنه يقول له لن اتقدم نحوك.. تعالي انت وقابلني.. وافتح خطوطك.. وظل حوار العقول علي هذا النحو في انتظار خطأ جسيم او حل فردي عبقري وادرك برشلونة ذلك بتغيير رائع عندما شارك افيلاي جهة اليمين لكي ينفذ جملة احرز منها ميسي الهدف الاول.. وبينما كان مدافعو الريال حائرين مع مفاجآت ميسي، كان بويول وبيكيه حائطا حديديا امام كل محاولات رونالدو ودي ماريا واوزيل.