مازالت عقلية رجل الأعمال الباحث عن مكاسب مالية دون اعتبار لأية عوامل أخري تسيطر علي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن الخميس الماضي انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ منفذا بذلك أحد أهم وعوده الانتخابية وموجها صفعة قوية للكرة الأرضية بأسرها غير عابئ بالتداعيات الخطيرة للقرار أو بما فجره من غضب داخل وخارج أمريكا. واستخدم ترامب شعار حملته الانتخابية »أمريكا أولا» ليعلن الانسحاب من الاتفاق الذي قال إنه يضعف السيادة الوطنية ويكلف البلاد وظائف ويضعها في موقف سيئ دائما مقارنة بباقي دول العالم. ووسط كل الضغوط الداخلية التي يواجهها بسبب التحقيقات حول روسيا أصبح علي ترامب الآن أن يتحمل المزيد من الغضب والتحدي.. ففور إعلان القرار بدأت عشرات المدن والولاياتالأمريكية الديمقراطية والجمهورية علي السواء تنظيم »حركة مقاومة» وتعهدت بلعب دور »السلطة المضادة» في وجه الحكومة المركزية وتعددت المبادرات والتأكيدات علي استمرار تطبيق الاتفاق رغم قرار ترامب. كما وعد الملياردير الأمريكي مايكل بلومبرج بتقديم 15 مليون دولار لدعم جهود الأممالمتحدة لمكافحة التغير المناخي. هذه التحركات هي ما راهن عليه الرئيس السابق باراك أوباما أحد مهندسي اتفاقية باريس الذي أعرب عن ثقته في الولايات والمدن والشركات الأمريكية. الغضب الذي فجره قرار ترامب عبر كل الحدود حيث خرجت المظاهرات في عدد من دول العالم تنديدا بالقرار وتوالت التنديدات من زعماء العالم الذين أكدوا تمسكهم بالاتفاقية ورفضهم إعادة التفاوض حولها. وإذا كان ترامب قد أكد أن قرار الانسحاب لن يكون له تأثير كبير علي المناخ فإن تحذيرات الخبراء توالت خوفا من أن تساهم هذه الخطوة في تسريع آثار تغير المناخ العالمي وجعل موجات الحرارة والفيضانات والجفاف والعواصف أكثر سوءا. ووصف داعمون للاتفاقية خطوة ترامب بأنها ضربة للجهود الدولية للحد من الاحتباس الحراري الذي ينذر بآثار بعيدة المدي خلال القرن الحالي وما بعده. تداعيات القرار لن تكون بيئية فقط فعلي الفور انخفضت أسعار البترول بشكل حاد وتوقع المحللون أن تزيد الولاياتالمتحدة إنتاجها النفطي مما يؤثر بالسلب علي جهود منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) للحد من الإنتاج لدعم الأسعار. من الناحية السياسية يبدو أن القرار زاد من الانقسامات داخل البيت الأبيض وهو ما ظهر في غياب عدة شخصيات أساسية عن إعلان الحضور مثل إيفانكا ابنة الرئيس وزوجها جاريد كوشنر وهما من أقرب مستشاري ترامب كما لوحظ أيضا غياب وزير الخارجية ريكس تيلرسون المدير التنفيذي السابق لعملاق النفط »ايكسون موبيل» وأشارت عدة تقارير إلي أنه كان يفضل البقاء في الاتفاق مثل العديد من أصحاب الأعمال. وفي الوقت الذي كان كثيرون يقولون فيه إن اليميني المتطرف ستيف بانون تم استبعاده شوهد الرجل بابتسامة عريضة وهو يستمع لقرار ترامب. وعلي المستوي الاستراتيجي يمكن اعتبار انسحاب الولاياتالمتحدة من اتفاقية باريس أحد أخطر القرارات الأمريكية علي الإطلاق وقد تدفع واشنطن ثمنه من موقعها في قيادة العالم.. فترامب الذي رفض حروب جورج بوش ودبلوماسية باراك اوباما يدشن الآن لمرحلة جديدة في السياسة الخارجية ليكون أول رئيس أمريكي يدير ظهره لاتفاق دولي بهذه الخطورة والأهمية. وإذا كان ترامب يردد دوما »أمريكا أولا» فإن هذا الشعار قد يعني »أمريكا وحيدة» حيث اختار الرئيس بقراره أن يضع أمريكا علي الهامش بعيدا عن ائتلاف يضم 194 دولة حول العالم لتقف الولاياتالمتحدة معزولة إلي جانب سوريا ونيكارجوا فقط. كما أن القرار يشكل ضربة جديدة للعلاقات المتوترة أصلا مع الحلفاء في أوروبا وحلف الناتو خاصة في ضوء انتقادات ألمانيا العنيفة لترامب وتصريحات مستشارتها أنجيلا ميركل حول ضرورة ألا تعتمد أوروبا علي أمريكا. ويدفع القرار العالم كله مجددا للتساؤل حول إمكانية الوثوق بواشنطن كحليف. وإذا كانت قرارات ترامب مثل الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة وخفض المساعدات الخارجية لتوفير تمويل لميزانية الدفاع وأخيرا الانسحاب من اتفاقية باريس تعني تخلي الولاياتالمتحدة تدريجيا عن قيادتها للعالم فإن الصين تبدو مستعدة لتحل محلها خاصة في مجال مكافحة تغير المناخ. ورغم أن بكين مازالت مصدر التلوث الأول في العالم –تليها الولاياتالمتحدة- فإن الحكومة الصينية تؤكد تصميمها علي إحداث تغيير جوهري. أخيرا فإن الصدمة التي أحدثها قرار ترامب لم تكن الأولي ويبدو أنها لن تكون الأخيرة فسيظل الرئيس الجمهوري يثير الجدل طالما بقي في منصبه. • علياء أسامة أيوب