لم أكن أقصد بمقال الأسبوع قبل الماضي بعنوان »ما لم يقله الأنبا بولا» التشجيع علي مهاجمة مؤسسة الأزهر، بل العكس تماما دعوت للتأسي بالأنبا بولا الذي ألهمته حصافته عدم مهاجمة الأزهر برغم ما قد يحمله في نفسه من ملاحظات أو انتقادات. لكن يبدو أن البعض ممن يحملون صفة »مسلم» في بطاقات هويتهم أرادوا تجنيب الأنبا بولا حرج مهاجمة الأزهر فقاموا نيابة عنه بهذه المهمة علي شاشات التليفزيون وأمعنوا في تمزيقه وكأنهم يقولون بكل التشفي: »سيب لنا الطلعة دي يابونا». هنا لا يهمني عدد الموقعين علي اقتراح النائب محمد أبو حامد بتعديل قانون الأزهر الشريف، كما لا يهمني عدد المنسحبين من مجموعة الموقعين واعتذارهم عن التوقيع بلا روية أو دراسة. لكني أتوقف كثيراً أمام الطريقة التي تعامل بها النائب صاحب الاقتراح مع زملائه لتحقيق مآربه من جمع التوقيعات، وقبل هذا أتوقف أمام البساطة والأريحية التي انجر بها السادة النواب للتوقيع علي اقتراح زميلهم، وأمام الخفة التي يتعاملون بها مع اقتراحات تعديل القوانين دون قراءة لمواد التعديل اكتفاء بثقتهم في زميلهم وبما سمعوه منه عن الاقتراح. من الخطير جدا أن يسود مبدأ »قالوا له» أو »قال لنا» بين نواب الأمة عند التعامل مع الأمور المفصلية للوطن، وإذا كان النائب تجرأ علي خديعة زملائه، فليس لدي هؤلاء العذر في أن ينخدعوا. فهل كنا ننتظر بابا الفاتيكان ليعيد للإمام الأكبر اعتباره بيننا؟ وإذا كان هذا هو أداء النواب فكيف بالنخب التي طرحت أسئلة بهدف تمزيق الأزهر فكشفت أسئلتهم عن جهل عميق وفاضح، بل إن مقارناتهم المستمرة بين الأزهر والكنيسة كشفت عن سوء طوية، وجرتهم رغبتهم في الانتقام من الأزهر إلي طرح أفكار من شأنها إيقاع الفتنة بين مسلمي ومسيحيي الوطن. إذ لا مجال للمقارنة أو المقاربة بين الكنيسة والأزهر. وقد عجبت للأسئلة الجاهلة التي طرحت من قبيل ولماذا يكون للأزهر جامعة اشمعني الكنيسة؟ ولماذا يدّرس الطب والهندسة ولا يقتصر علي العلوم الدينية؟ ولماذا لا يسمح للمسيحيين بالالتحاق بها؟ في الواقع لم أفهم ما الذي يضايق هذا النفر من الناس من تدريس الأزهر للعلوم الدنيوية بجوار العلوم الفقهية، أليس انتقادهم الرئيسي ينصب علي المناهج الفقهية المتشددة واتهامهم الأول هو أنه يخرّج الدواعش؟ طيب هو انتم زعلانين من مناهج الطب والهندسة أم من المناهج الدينية؟ تاريخ الأزهر يفضح جهل هؤلاء ف»الجامع الأزهر» منذ إنشائه في عهد الفاطميين بني ليكون مركزاً دينياً وتعليمياً لنشر المذهب الشيعي، وحتي عندما فقد الأزهر مكانته كمسجد للصلاة وعاني من الإهمال في عهد صلاح الدين الأيوبي ذلك العهد الذي يعتبر فترة انتقالية من المذهب الشيعي إلي المذهب السني ظل الأزهر مؤسسة تعليمية ومركزاً لفقه اللغة العربية ويُروي أن صلاح الدين الأيوبي أمر بدفع راتب لأحد العلماء كان يدرّس »الطب» و»القانون» في الأزهر، يعني حتي عندما تراجع دور الأزهر كمسجد للصلاة حافظ علي دوره التعليمي. الجامع الأزهر منذ نشأته كان مكاناً لاجتماع الأمة في صلاة العيدين ومكاناً لتطبيق الحدود يعني مكاناً لتنفيذ القانون وأيضاً لتشاور أبناء الأمة ومناقشة أمور حياتهم يعني بمثابة مجلس الشوري أو البرلمان أي مؤسسة سياسية أيضاً. وتبقي بعض الوجاهة لمأخذ قصر الالتحاق بالأزهر علي المسلمين، ومن الواجب التفكير في السماح لمن يرغب من المسيحيين في الالتحاق بالتعليم الأزهري مثلما تسمح الكنائس بالتحاق الطلاب المسلمين بالمدارس التابعة لها كالمدارس الإنجيلية والفرير والقلب المقدس والجيزويت وكلية رمسيس للبنات، إن كان هذا الاقتراح سيزيل تهمة الطائفية عن الأزهر وبحيث يتم ذلك ضمن برامج مدروسة لإصلاح شامل للتعليم في مصر فيصبح التعليم الأزهري متاحاً لكل المصريين، وإذا كان للكنيسة جامعة هي الكلية الإكليريكية التي تخرج قسساً ورهباناً ومبشرين وتمنح درجة البكالوريوس في علوم اللاهوت فلا مانع من أن يكون للأزهر كلية تخرج الدعاة والباحثين في أصول الدين والدعوة.