التزم الصمت المطبق علي مدي شهرين بالرغم من سيل الاتهامات الصارخة التي انهالت عليه، وعلي أسرته، حتي عندما عرضت عليه قناة تليفزيونية عالمية (CNN) أن تجري معه حوارا موسعا يمكن ان يرد خلاله علي كل ما وجه اليه منذ التنحي رفض تماما، فعرضت عليه القناة »شيكا« »علي بياض« يكتب فيه ما يطلبه من ملايين الدولارات (أو مليارات لأنها اللغة التي يحبها) . مع ذلك رفض ن يتكلم، ثم فجأة أذاعت قناة فضائية كلمة وجهها الرئيس السابق حسني مبارك بصوته (دون صورته) يكر فيها ما أثير حوله وحول اسرته، ويعرب فيها عن حزنه وأساه لما يتعرض له من اساءات، ثم يوجه انذارا بالويل والثبور وعظائم الامور لمن سيرفع ضدهم دعاوي قضائية. والمؤكد أن هذه الكلمة المفاجئة أثارت عدة تساؤلات أتصور انها »بكل حسن نية« كالتالي: القناة التي أذاعت الكلمة المسجلة هي قناة »العربية« وقد أعادت اذاعتها عدة مرات، والمعروف للقاصي والداني أنها قناة سعودية 001٪، كيف تم التنسيق بينها وبين الرئيس السابق (في شرم الشيخ) خاصة مع المفترض أنه رهن الإقامة الجبرية التي تمنع أية اتصالات معه؟! الذي كتب الكلمة المفاجئة، كاتب محترف يعرف كيف يخاطب الجانب العاطفي في الجماهير، وهو نفسه في رأيي الذي كتب خطاب الرئيس الذي قال فيه إنه سيعيش ويموت في مصر وعلي أرضها الحبيبة، وقد اثارت عبارات ذلك الخطاب وقتها تعاطف الكثيرين من العاطفيين لولا أن »موقعة الجمل« إياها انطلقت بعده بساعات، فظهر الوجه الحقيقي مما حقق الاثر العكسي، وارتج ميدان التحرير ومعظم ميادين مصر بصيحات الملايين »الشعب يريد إسقاط النظام«.. وهل ثمة صلة مريبة بين اذاعة الكلمة وفشل المحاولة الاخيرة لضرب الثورة، والتي استهدفت الوقيعة الخطيرة بين الشعب والجيش، وحدث الأثر العكسي حيث زاد حرص الجميع.. وخاصة رجال القوات المسلحة علي ان يظل »الشعب والجيش إيد واحده«، ومن ثم تزايد الحرص علي محاكمة النظام السابق رئيسا ورجالا، وبالفعل جاري البداية السريعة للتوجه الجديد بالقبض علي رجل الأعمال عراب التوريث والصديق الحميم للأسرة (ابراهيم كامل) مع اصرار المجلس الاعلي للقوات المسلحة علي محاكمته بالتهمتين (موقعة الجمل وموقعة 8 إبريل).. هل كان الشهران اللذان مضيا علي التنحي كافيين من أجل»تستيف الاوراق« وترتيب الاوضاع بسحب المليارات، وتكويد الاسهم والسندات، وبيع القصور والعقارات، وبالتالي صارت الصفحة بيضاء، ناصعة البياض، وصار من الممكن الخروج من »الصمت« إياه؟!.. وهل كانت »هيلاري كلينتون« تكذب عندما صرحت في القاهرة بان الرئيس مبارك له رصيد من المليارات في بنوك أمريكا، وهل كانت صحف »الجارديان« البريطانية و»هيرالد تربيون« و»واشطن بوست« الأمريكيتان تكذب هي الاخري عندما تحدثت عن ثلاثين أو أربعين مليار دولار في حساب الرئيس والاسرة في عين العدو؟!. وهل ما أعلنته دول كسويسرا، وبريطانيا، وكندا، وبلجيكا، وأمريكا عن ثروات ضخمة سوف يتم تجميدها كان فقط من باب الهزار (مع إن الناس دي متعرفش الا الجد؟!). هل سيرفع الرئيس قضايا علي كل هؤلاء. ومعهم طبعا الصحفيون والاعلاميون والمسئولون والناشطون المصريون الذين تحدثوا ومازالوا يتحدثون عن مليارات الرئيس والقرينة والابنين؟ وهل فعلا وكما قال الرئيس السابق في كلمته ما حققه إبنه علاء، وابنه جمال من ثروات هائلة (تدخل في اطار المليارات)، تم بنشاطهما »دون أي استغلال للنفود«.. وهل مشكلة الشعب مع الرئيس محصورة فقط في »الفساد المالي«ونهب المليارات، أم أنها »الفساد السياسي« الذي ألقي بالدولة في مستنقع تزوير الانتخابات، وتكديس المعتقلات بالمعارضين،وتكميم الافواه، وتدمير الزراعة والصناعة، وإدخال المبيدات والاغذية المسرطنة التي يسقط ضحايا بالآلاف كل يوم، وانهيار التعليم، واضعاف القضاء، وفقدان مصر لمكانتها ودورها المحوري وحتي العادي؟ أليس هذا الفساد السياسي المتوحش هو مشكلة الشعب مع النظام السابق وما جره معه من فساد مالي؟! وأخيرا.. هل تكون هذه »الكلمة« التي تكررت إذاعتها رسالة خطيرة الي رجال النظام الذين ينعمون حتي الآن ببطء القرارات والاجراءات لكي يعدوا عدتهم.. من جديد.. لمعاودة الضربات للثورة موقعة بعد موقعة حتي لو أدي ذلك الي ضياع البلد؟! وهل يكون القرار العاجل باستدعاء الرئيس السابق وأسرته للتحقيق ردا عمليا مدركا لما وراء تلك الكلمة، ومعبرا عن الالتحام الرائع بين الجيش والشعب.