نعم أنا غاضبة وحزينة ومكتئبة.. نعم أنا بداخلي كل ما يمكن وصفه ولا يمكن وصفه من معاني الحزن والسواد والرغبة في أن يشمل عزائي كل أهل الشهداء وكل أهل المصابين وكل أهل مصر.. فالمصاب كبير والمشهد مؤلم والتعاسة تنزع في طريقها كل معاني الآمان والأماني.. وتترك في الحلق غصة وتساؤلاً سخيفاً متكرراً لا يحمل تفاصيل الإجابات المقنعة، »لماذا يحدث هذا لمسيحيينا؟» هل أنا مسلمة أم مسيحية لا يهم.. فأنا مصرية يجري في عروقي وشراييني نيل مصر.. ويتعانق في داخلي صوت الأذان مع دقات أجراس الكنائس، واحتفل بأفراحي وسط أهلي وجيراني.. وأتقبل عزائي منهم جميعا ووقتها لا أطلب من أحد منهم بطاقة تعريف دينهم، لأننا هكذا خلقنا وامتزجنا دون تفاصيل سخيفة تضع متاريس الهوية بيننا داخل حدود الوطن.. وهو وطن غير مسبوق ولا متكرر ولا عادي.. وطن يحسدنا عليه الأولون والآخرون.. وطن يعشق ويُعشق.. ويجمّع ولا يفرق.. وطن عظيم اسمه مصر! هي مصر المتحضرة حيث يولد المسلم حرا.. ويولد المسيحي حرا.. ويكبر كل منا وأيدينا متشابكة لا يفرقها سجود في جامع أو صلاة في كنيسة! بالأمس استمعت بتركيز شديد لتحليل لما حدث، علي قناة أمريكية كان المُحلل منصفا علي غير العادة قال: »هزيمة مصر تحتاج طريقتين: الفتنة بين المسلمين والمسيحيين - والتلاعب في مياه نهر النيل». إذن فها هي قواعد المؤامرة وتقسيم مصر تتضح لنا كمصريين دون مواربة.. بمعني أن تفتيت مصر وضربها لن يكون إلا بضرب قواعد هاتين الركيزتين الضاربتين في جذور مصر، الوحدة الوطنية والنيل، وهو ما يحدث بالفعل، فها هي المخابرات القذرة لدول نعلمها جيدا تحول أرض مصر مسرحا لعملياتها الإرهابية وتغتال أبرياء المصريين وتهدد آمان المسيحيين منهم بالذات، وها هو أمير قطر »اللاشقيق» يرتع في إثيوبيا، فبعد أن تدفقت أمامه شلالات دم المصريين علي أرضها الطاهرة وداخل أماكن عبادتها، ها هو يقاتل ليمنع تدفق مياه شلالات النيل علي أرض مصر.. فالأولي يزرع بها الشر، والثانية يمنع بها الخير! أقولها من كل قلبي وعقلي والتزامي الديني وحبي لتراب بلدي ونسيمه ونيله وبره وبحره، وتاريخه وثقافته وحضارته، ودور عبادته ومساجده وكنائسه، وأهله في كل بقعة علي أرضه مهما اختلفت أشكالنا أو ألواننا أو ديانتنا أو لغتنا، أو أصولنا.. أقول » لا حول ولا قوة إلا بالله » وأرفع يدي لسمائنا الواحدة، حيث وجود ربنا الواحد أطلب منه لأهلي الصبر والسلوان علي المصاب الفادح وأدعوه أن يرأف بقلوبهم ومشاعرهم، وأن يذهب خوف صدورهم، وأن يزيدهم سماحة وتسامحاً حتي يتغلبوا علي آلامهم تلك الآلام التي تضاعفت بالحدث الدموي لحظة احتفالهم بأسبوع الآلام.. ويالها من الآلام ! مسك الكلام.. هذه المعركة الدموية الوحشية التي تحاول النيل منا.. تحركها وتمولها صهيونية جديدة.. نريد الكشف عنها ومواجهتها في العلن.. لسبب بسيط هو أن مصر لا تخشي.. وهي باقية وقوية وقادرة علي هزيمتهم بإذن الله وبقدرة المصريين.