سؤال يعيد طرح نفسه من جديد، هل يلوذ العالم بظلال الأخلاق بعدما تماهي في مفازات الجشع وانحط الي درك السفه وغرق في ضلالات الفجور، ألم يشهد أبناء الانسانية موجات من الانتهازية تعذب احلامهم وتشوه حياتهم تحت مسميات عن التحرير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، يشد المجتمعات الي صدمات مروعة فنري أسوأ الظروف تميل بالناس بعيداً عن الوسطية والتعادلية التي تريح الساعين إلي عيش بسيط متواضع في كرامة، لقد وقفت البشرية اليوم علي حافة من هاوية عظيمة اتوقع لو استمرت الأحوال كما تسير لانهارت ولاحدثت الشقة الجلل، ولتفرق شمل شعوب وتناحرت طوائف حتي الفناء، فلماذا يصرون علي أن يبقي السوق وحده هو الحاكم والمتحكم، ولماذا ترتفع الاصوات كلما سقط قناع من اقنعة النظام العالمي الجديد وإنكشف جزء من عوراته، نسمع هذه الاصوات تبرر وتنظر، وتختلق الحجج الواهية لاقناعنا بأن هذا النظام العولمي الفاشل مازال في مراحله الأولي ويحتاج إلي مزيد من التضحيات، وهي أشياء لابد منها لكي تجني الإنسانية ثمرتها الناضجة في مستقبل قادم، وأنا اتصور أن ما يتحدثون عنه لايزال بعيداً، بل أكاد افقد الامل في أن يأتي ذلك اليوم الذي تنسد فيه الفجوة بين شمال وجنوب الكرة الأرضية، وأن نفسي الشئ لن يحدث لكي تلتئم الفجوة الهائلة في الدول ذاتها بين الاغنياء والفقراء، خاصة في دول العالم الثالث البعيد تماما عن كل ما يدفع عجلة التنمية الحقيقية علي أراضيه، نحن أمام كبوة اصطنعها أصحاب المصالح ولم يعد هناك مخرج الا بالانتفاض من كل هذا الركام، وأمامي بعض النقاط التي تؤكد ذلك، أهمها علي الإطلاق ان النظام الرأسمالي في تطوره إلي اليوم قد تخلي عن أهم مقومات بقائه وإستمراره في إدارة حياة الناس وأصبح مبدأ مكارم الأخلاق معطلاً عن العمل بالرغم من أن العالم أجمع يعرف أن سبب نجاح الرأسمالية في مرحلة من مراحلها كان يرتكز علي نبل أصحاب رؤوس الأموال وإقامتهم لمشروعات خيرية اجتماعية وصحية وتعليمية، نعم تعثرت الرأسمالية اليوم وكبت تحت سياط تلهب ظهر الفقراء ومحدودي الدخل والطبقات الوسطي في مجتمعات تحتاج اليوم إلي الإستقرار والتنمية والنهوض من أتون التخلف واليأس والانحطاط، لقد أفصحت دوائر كثيرة عن ضرورة عودة فضائل الأخلاق لإدارة الإقتصاد ورد المظالم الي أصحابها بعدما عبثت بهم قلة، توهمنا في البداية أن عصر الرأسمالية الوطنية يمكن ان يصبح حقيقة الآن وأن الحريات التي يتمتع بها هؤلاء الذين نعرفهم بالمستثمرين الجدد قد أصبحت في حاجة إلي مراجعة تخضع لقواعد الاخلاق وموازين القيم العادلة التي تحقق التوازن المنشود لاستقرار المجتمعات وتقليل هذه الفجوة الهائلة التي نشهدها علي ارض الواقع بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، لقد سكن الخوف والذعر والتطرف وأخلاط من القيم المنحرفة بين أضلع البشر، وحلت محل السكينة والتأمل والآمال الطامحة مشاعر غريبة أفرزت كل ما نري من جرائم عجاب لم تكن الانسانية تعرفها من قبل، وأعتقد أن شفاءها لن يكون إلا بهذه المراجعة الملحة في انتظار عالم نبيل المقاصد يعرف للأخلاق حقها ويحافظ عليها. كاتب المقال : استاذ الطب بجامعة الازهر، عضو اتحاد كتاب مصر