اعترف انني كنت من بين اكثر المدخنين في العالم ،اذ كنت استهلك في اليوم 80 سيجارة من التبغ المعبأ في مصر الذي يشبه كناسة المقشات ، وفي الليالي التي كلفت فيها بالسهر نائبا لرئيس التحرير عن الطبعة الثانية والثالثة كنت اتجاوز حاجز المائة سيجارة ! جاء القول الفصل بذبحة قلبية اتخذت علي اثرها قرارا بالاقلاع عن التدخين فور خروجي من المستشفي ، ونصح كل من اري في يده سيجارة بأن يعفه الله منها اليوم قبل الغد ، وقد قلت في مقال سابق انني اكتشفت حجم الجرم الذي كنت ارتكبه في حق الاخرين الذين يستنشقون دخاني بما يعرف بالتدخين السلبي ، اكتشفت ذلك بالكراهية التي تولدت عندي بسبب دخان الاخرين الذي يغزو انفي رغما عني فأحس بأنني لا استطيع ان آخذ نفسي ، وفي احيان كثيرة اعاني من ضيق في صدري يحرمني النوم اثناء الليل في الايام التي اكون قد اجبرت فيها علي مخالطة المدخنين . لهذا اعتقد بعد ثورة 25 يناير أننا في حاجة لمظاهرة مليونية تتشكل من غير المدخنين ، واعضاء الهيئات الصحية ، ومحبي الحفاظ علي البيئة ، شعارها واضح وصريح " الشعب يريد الاقلاع عن التدخين " ، ليس لأننا نريد ان نقوم بثورة ضد المدخنين عقابا لهم علي ما يرتكبوه في حق انفسهم ، وحق اطفالهم ، وحق المحيطين بهم ، وحق الحوامل الذين تتشوه اجنتهم بسبب التدخين السلبي ، انما محبة منا لهم وتحريضهم علي السير في ركب التغيير، وتشجيعهم علي الانضمام لحملة تطهير المناخ بدلا من الجري في مارثون الموت البطيء . نحن في حاجة لمليونية ترفع شعار" الشعب يريد محاربة التدخين " للنتائج المفزعة التي كشف عنها تقريرمنظمة الصحة العالمية الثلاثاء الماضي تحت عنوان "اقتصاديات ضرائب التبغ في مصر"، والذي اكد ان معدل انتشار التدخين في مصر وصل إلي ما يعادل ضعف معدل النمو السكاني، وإن أكثر من 51٪ من البالغين يتعرضون بانتظام لدخان التبغ ، و 70٪ يتعرضون له في المباني الحكومية والمواصلات العامة، و49٪ في المنشآت الصحية الممنوع بها التدخين، وكشف التقرير أن الزيادة الضريبية التي تم إقرارها علي التبغ في يوليو 2010 تسببت في خفض نسبة استهلاك السجائر بمقدار 19٪ وزيادة إيرادات الضرائب بما يعادل من 3.5 مليار جنيه ، واقلاع 1.6 مليون مصري عن التدخين ، واكد بأنه في حال زيادة الضرائب علي السجائر بما يعادل 5٪ اخري ، سيقل استهلاكها بنسبة 25٪ وسوف تصل الزيادة في الإيرادات إلي 5.2 مليار جنيه مصري، بما يؤدي إلي اقلاع أكثر من 2.1 مليون مصري عن التدخين وإنقاذ حياة 600 ألف مصري يعانون سنويا من الامراض الناتجة عن التدخين الايجابي والسلبي. وقد أوصي التقرير بتطبيق ضريبة عالية علي جميع أنواع السجائر وتبغ الشيشة ، وتخصيص جزء من عائداتها لتمويل البرامج التي تخفف من الفقر وتعمل علي تحسين الصحة . فهل يشهد ميدان التحرير مظاهرة مليونية ترفع شعار " الشعب يريد محاربة التدخين " ام ان السادة المدخنين سيعتبرون دعوتي من قبيل المستحيلات ؟.