شرفت بالخدمة كجندي في صفوف القوات المسلحة علي مدي ثلاث سنوات أثناء حرب أكتوبر 3791، كما انني علي يقين انه لولا انحياز الجيش للثورة وتبنيه لمطالبها، وحمايته للمتظاهرين في أدق الظروف وأصعبها، لما نجحت ثورة 52 يناير. والأرجح ان النموذج الليبي كان هو المرشح لان يتكرر، لكن القوات المسلحة تدخلت في اللحظة الأخيرة لحماية الشعب والثورة، وليس سرا ان الرئيس المخلوع كان قد طلب تدخل الجيش، الأمر الذي كان يعني وقتها مذبحة حقيقية، لكن الجيش رفض ان يلوث تاريخه الوطني بمثل هذه الجريمة. ولذلك فان شعار »الجيش والشعب ايد واحدة« الذي كان يردده الثوار ليس آتيا من فراغ، والتفاف الثوار حول دبابات القوات المسلحة كان تعبيرا عن امتنان الثوار وتقديرهم للموقف الذي اتخذته القوات المسلحة، وجاء المصريون من المحافظات المختلفة لتلتقط لهم الصور وهم يعتلون الدبابات أو يحتضنون الجنود والضباط، ولعل الصورة الشهيرة للجندي الذي يحمل رضيعا وهو واقف فوق الدبابة هي الأكثر دلالة حول هذه العلاقة بين القوات المسلحة والثوار. وعندما حدث اعتداء -لنقل أنه فردي- قبل ثلاثة أسابيع علي الثوار في ميدان التحرير، سارع المجلس الأعلي للقوات المسلحة باصدار ثلاثة بيانات خلال ساعة واحدة يعتذر فيها للثوار، بل ويقرر في احد هذه البيانات: »نعتذر ورصيدنا لديكم يسمح«. لهذا أتابع بقلق بالغ ما نشرته بعض المواقع الالكترونية من شهادات موثقة ومصورة لعدد من المتظاهرين، حكوا فيها ما تعرضوا له من تعذيب وإهانة من جانب الشرطة العسكرية، ونشرت كل من المصري اليوم والشروق -قبل أسبوعين- مقابلة مع اللواء مدحت غازي مدير إدارة المدعي العام العسكري، نفي فيها ان المقبوض عليهم من الثوار بل هم مجرمون ومسجلون خطر وبلطجية، وطبقا لما ذكره الصديق بلال فضل في الشروق -02/3- فان اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية نفي في تصريحات للمصري اليوم والشروق أيضا نفيا قاطعا قيام الشرطة العسكرية بتعذيب الثوار. كنت أتصور ان الاقتراح الذي قدمه بلال فضل في الشروق سيلقي قبولا من المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ومضمون الاقتراح انه حرصا علي الشفافية الكاملة في العلاقة بين الجيش والشعب يقوم المجلس الأعلي بعقد اجتماع عاجل وسريع بينه وبين مسئولي منظمات حقوق الإنسان التي تمتلك ملفات موثقة حول وقائع التعذيب التي تعرض لها الناشطون السياسيون علي أيدي أفراد من الجيش، وان يتم التحقيق فيها جميعا وإعلان نتائج التحقيق، ولعلي أضيف هنا ان يستدعي المجلس من جري تعذيبهم وإهانتهم من الثوار والاستماع إليهم، ولا شك ان المجلس اطلع علي المنشور علي المواقع الالكترونية -صوت وصورة- ويمكن استدعاء هؤلاء، وإذا ثبت كذبهم أو ادعاؤهم فينبغي محاكمتهم فورا، لانهم بذلك يكونون قد شوهوا المؤسسة التي نحترمها جميعا بسبب انحيازها للثورة وتبنيها لمطالبها. وبينما كنت انتظر ان ينهي المجلس هذه المسألة بحسم ويحقق ويعلن نتائج التحقيق ويعاقب من ارتكبوا هذا الجرم إذا كان ما ذكره الثوار والناشطون صحيحا، فوجئت بقيام الشرطة العسكرية بفض اعتصام طلاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة بالقوة، بل واحتجاز بعض الأساتذة ثم الافراج عنهم. العميد الذي يطالب الطلاب باقالته ليس فوق مستوي الشبهات، وتاريخه في خدمة الحزب الوطني ولجنة السياسات وجمال مبارك معروف وموثق، أما رئيس الجامعة فقد صرح للصحافة بكل خيلاء وصلف يعيد للأذهان تصريحات رجال العهد البائد الذين خربوا وطننا وسرقوه ونهبوه، قال رئيس الجامعة: »آخر كلام.. لن يقال أو يستقيل« قاصدا بالطبع عميد كلية الإعلام المرفوض من الطلاب والاساتذة. ليس هذا فقط، بل ان المسئول عن فض الاعتصام من الجيش صرح انه لم يستخدم القوة في فض الاعتصام، بينما أكد الطلاب والطالبات انهم تعرضوا للاعتداء والضرب بالعصي الكهربائية، وأكد الاساتذة المشاركون في الاعتصام انهم احتجزوا لبعض الوقت. أمامنا اذن شهادات موثقة (صوت وصورة) وأمامنا أيضا آثار تعذيب مازالت موجودة علي اجساد الناشطين، بل ونشرت أخبار وتقارير عن تعرض بعض الناشطات للكشف الطبي عن عذريتهن، وأمامنا أيضا ما جري في اعتصام كلية الإعلام. كاتب هذه السطور لا يصدق كل ما يقال أو ينشر، وبسبب قلقي وحرصي علي العلاقة التي صاغها الثوار والمجلس الأعلي للقوات المسلحة في أدق الظروف وأصعبها، أطالب المجلس بالتحقيق فورا، فليس مسموحا لاحد ان يشوه العلاقة بين الجيش والشعب، كما انه ليس مسموحا ان يتكرر مثل هذا الاعتداء مرة اخري إذا كان قد حدث أصلا.