كان المشهد هكذا.. مجموعة من النساء يقترب عددهن من الأربعين ترتدي كل منهن جلبابا أسود، جلسن في دائرة، وأخذن يرددن آيات سورة ياسين بشكل مختلف عن المعتاد، قد تكون نفس الآيات لكن وقعها علي المسامع مخيف برغم أن ما يقرأنه هو آيات قرآنية وأدعية دينية وتوسل إلي الله باسم الرسول والأنبياء والصالحين، كان الصوت يخرج من حناجرهن أجش، وكان اللافت أن القراءة الخاصة بالسورة ليست مكتملة، فقد تجد احدي كلمات آية بعينها يتم ترديدها بعدد معين، ويتوقف القارئ عند سورة ويفصلها عما بعدها بكلمات وتمتمات وقراءتها علي مياه ثم يتم التبرك بها وشربها! لا تندهش، فهذه هي »عدية ياسين»، التي تعد بمثابة اكبر العادات الشعبية والموروثات القديمة، والتي مازال البعض - بكل أسف - يؤمن بها، ويهدد خصومه بأنه »سيقرأ عليه »عدية ياسين»، ويجد فيها من يروجون للعمل بها وسيلة لكسب الرزق وسحب أموال البسطاء، وكما تقول لنا فاطمة احمد، ابنة محافظة سوهاج، فقد كانت ابنتها الكبري ترفض زوجها وتكرهه بشدة، وظلت الخلافات تنشب بينهما وتزداد حتي وصلت في احدي المرات إلي محاولتها للانتحار لولا ان لحقوها وأنقذوها في آخر لحظة، وذهبت بعدها إلي شيخ جلس يقرأ القرآن امامها حتي اخبرها ان ابنتها »معمول لها عمل»، وأكد ضرورة قراءة »عدية يس» من اجل فكه وحماية الفتاة منه، وبالفعل جلب مجموعة من المقرئين إلي المنزل وجلسوا يقرأونها ويدعون برد العمل علي صاحبه حتي هدأت اعصاب الفتاة لفترة لكنها عادت كما كانت مرة اخري قبل هذه القراءة. اما خديجة عبد النبي، من احدي قري اسيوط، فقد كانت ترغب في تزويج ابنتها الصغري لكن الأيام كانت تمر عليها دون فائدة، وظلت تبحث بين الدجالين والشيوخ في القرية حتي دلها احدهم علي قراءة »عدية يس» مقابل مبلغ من المال، لكنه عندما بدأ في القراءة كانت قراءته يتخللها كلمات وطلاسم غير مفهومة وكأن الحروف قد تشابكت معا او اصبحت تقرأ بعكس ترتيبها الصحيح في الكلمات فاذا كانت السورة اسمها »يس» تصبح »سي» وهكذا لآخر الآيات. ويصل الأمر إلي استخدامها في السحر والكيد للتفريق بين الأزواج لأنهم يؤمنون بأن تلك السورة »لما قرئت له» بحسب ما ورد في الأحاديث النبوية والسنة الشريفة، وهذا ما ترويه لنا زهراء محمد، فهي ام لثلاث فتيات، وكانت ابنتها الكبري ترغب في الزواج من احد اقاربها، الا ان اهله كانوا يريدون تزويجه لفتاة اخري، ولكن الشاب تمسك بالزواج من ابنتها، وبعد زواجهما ظل أهله يطاردونها بالأعمال والدجل، وحدث ودبت المشاكل بينهما، واستعانت بشيخ اخبرها انه قد تمت قراءة عدية ياسين عليها، وتقول لنا زهراء: »احدي قريباتي تأخر حملها، فقرأتها من اجل الحصول علي مولود». وتتعدد الأدعية في هذه »العدية»، ومصدرها واحد وهو كتاب شمس المعارف الكبري لمؤلفه احمد بن علي البوني والذي يحتوي علي العديد من الطلاسم والارقام وما يسمي بعلم الاسماء ويستخدم فيه بعض الآيات القرآنية بشكل مختلف عن المعهود من اجل تحقيق احلام قارئها وهو كتاب يمتلئ ايضًا ببعض التعاويذ السحرية، وهو ما يرفضه الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوي بالأزهر سابقًا، مؤكدا أنه لا يجوز قراءة سورة يس بهذه الطريقة، ووصف ذلك بانه اثم مبين، وفسر انتشار مثل تلك الموروثات بأنه نتيجة للجهل بالدين والذي يجب ان يحارب، ويوضح أنه لم يرد في القرآن والسنة ما يسمي ب»العدّية»، ولكن كل ما ورد هو النصح بقراءة هذه السورة علي الموتي، أما في حالة رد الظلم، فقد أمرنا الرسول بأن نقول : »حسبي الله ونعم الوكيل» وتفويض الامر كله لله، أو كما نقول »المسامح كريم». • ياسمين سامي