ستظل الدروس التي قدمها شباب التحرير تتوالي.. تنير الدرب وتفتح أبوابا للأمل أغلقت سنوات طوالا في وجه المفكرين والمخلصين. ومما كشفت عنه ثورة الشباب وهو كثير أن معظم الرؤساء الذين تحولوا فيما بعد إلي أباطرة للفساد والافساد يجمع بينهم صفات مشتركة وطباع واحدة وربما كان ذلك هو السبب الرئيسي وراء انتشار الثورة المصرية إلي آفاق أخري وساحات أخري بنفس الثوابت ونفس الشعارات.. القاسم المشترك بين رؤساء الساحات المشتعلة هي انهم كانوا كلهم تحت خط الجهل فثقافتهم محدودة للغاية وأفقهم أضيق من فتحة الابرة.. الرئيس التونسي ضابط محدود الثقافة للغاية مكنه منصبه إلي جوار الرئيس العجوز من الانقلاب عليه، نفس الكلام ينطبق علي القذافي الذي كان ومازال أضحوكة العالم بنظرياته وابتكاراته وكتابه الأخضر »المسخرة«، يأتي بعدهم الرئيس مبارك ثم الرئيس اليمني.. كلهم تعلموا ضرب النار ولكن أحدا منهم لا يمكن أن يدعي انه متعلم فالذي لم يجاوز مستوي الثانوية العامة لا يمكن أن يطلق عليه لقب متعلم والعجيب ان هؤلاء الجهلة كانوا يحكمون شعوبا كان لها باع طويل في الحضارة والثقافة والأعجب انهم كانوا يتحكمون فيمن قبل من أبناء هذه البلاد أن يكون تابعا ذليلا ينفخون في غرور الزعيم الأوحد و يعلمونه حتي كيف ينطق اللغة العربية في خطبه الطويلة التي كان مبارك الراحل ينطقها بنغمة كأنه »محمد منير«.. ان الأمور لا تستقيم اذا حكم الجاهل المتعلم واذا تحكم شبه الأمي في كبار المثقفين ولكن ذلك ما حدث وما كان يحدث منذ سنوات طوال وكان الزعيم من هؤلاء -وهو قاسم مشترك آخر- عندما يدخل إلي أحد الاجتماعات يجد أمامه عشرات الألوف قد جلسوا في صمت واذعان بعد أن انتظروا في مقاعدهم ساعات طوالا في انتظار »طلة« الزعيم المحبوب.. كان الرئيس من هؤلاء يري عشرات الألوف مصفوفة أمامه تكاد تتمزق أكفهم من التصفيق وتتمزق حناجرهم من الهتاف فيعتقد في نفسه انه فعلا زعيم وأنه فعلا عالم وانه فعلا محبوب ولم يكن يدري ولم يكن يستشعر ولم يكن أحد يجرؤ علي أن يخبره بحقيقة الأمر، وهي أن كل المحتشدين جمعهم الحزب والوزراء بالترغيب والترهيب وانهم سوف يلعنونه بمجرد اختفائه عن الأنظار والقاسم المشترك الثالث هو ان أحدا من هؤلاء لم يأت للكرسي بانتخاب أو اختيار الشعب.. وتمتاز مصر بخصوصية هي انها ومنذ ثورة يوليو 25 لم تختر رئيسها.. كان يحتل الرئيس من هؤلاء الكرسي أولا ثم تطبخ الانتخابات أو الاستفتاءات والنتيجة معروفة سلفا وهي أربع تسعات.. من هذا المنطلق فإن البطانة المقربة من هؤلاء الرؤساء الجهلة والفاشلين يجب أن تكون أول من يحاكم بتهمة افساد الحياة السياسية وحبذا لو أضيف إليها تهمة أخري هي تهمة افساد الرئيس، لقد كان لدينا رئيس مجلس شعب يجيد ببراعة أي مايسترو توجيه المناقشات التي تصب في تحقيق النتيجة المطلوبة وكان لدينا رئيس مجلس شوري خبير المخابرات السابق وخبير طبخ التوجيهات السامية. هؤلاء لم يكونوا معذورين كان بإمكان أي واحد منهم أن يقول لا ويلزم بيته ويحتفظ بكرامته مثلما فعل السنهوري رحمه الله أمام طاغوت عبدالناصر فقد قال الرجل لا وتعرض وهو عجوز للضرب المبرح في مكتبه دون أن يتزحزح عن موقفه.. ولكن هؤلاء فضلوا الترف واحترفوا الكذب وأجادوا تضليل الحاكم ولوثوا كل شيء جميل في مصر وحطموا كل ما شاده السابقون الأفاضل.. أما الرؤساء الذين كانوا كما قلت تحت خط الجهل فقد نفختهم بطانتهم نفخا ولم يكونوا بعد ذلك في حاجة إلا إلي ابرة رفيعة حملتها يد الشباب فانفجرت البالونات المليئة بهواء الجهل والكذب والخداع. أحكي لكم قصة تؤكد ما أقول.. فاروق حسني وزير الثقافة السابق والذي اشتهر بجملة »وأنا مالي« كرد علي أي فساد في وزارته والمقرب من »الهانم« كان يشغل منصب مدير الأكاديمية المصرية في روما وللعلم هذه الأكاديمية كانت مجرد شقة صغيرة بها مجموعة من الكراسي المحطمة يجتمع فيها بعض المصريين العاطلين لتناول الشاي والدردشة، فاروق حسني انتهت مدة اعارته ولجأ إلي مجلس الوزراء ومعه التماس للدكتور عاطف صدقي يرجو فيه تجديد اعارته لمدة 4 شهور حتي يقوم بتسوية بعض المتعلقات الخاصة به.. السكرتير طلب منه الجلوس ودخل بالتماسه إلي رئيس الوزراء تصادف في تلك اللحظة انه كان يجري إعداد تعديل وزاري وكان مطلوبا من رئيس الوزراء تقديم 5 أسماء لكل وزارة يختار منهم مبارك واحدا.. أعد عاطف صدقي قائمة وزارة الثقافة ووجد انها تتضمن 4 أسماء كلهم من أفاضل علماء الجامعة وكبار المثقفين المصريين ولكنه فشل في العثور علي خامس ولما كان عليه أن يقابل الرئيس وليس أمامه سوي دقائق فقد دق الجرس فجاء السكرتير فسأله عن اسم ذلك الشخص الذي ينتظر في مكتب السكرتارية فقال له فاروق حسني رئيس الأكاديمية المصرية بإيطاليا فكتب عاطف صدقي اسمه ليكمل الخمسة الأسماء وأسرع لمبارك وألقي مبارك نظرة علي القائمة ووجه لوما شديدا لعاطف صدقي قائلا له كيف تكتب أسماء أساتذة الجامعة وتضع اسم رئيس الأكاديمية المصرية في ايطاليا في آخر القائمة لم ينطق عاطف صدقي وفوجئ فاروق حسني الذي كان ينتظر في مكتب السكرتير أن يتفضل عليه رئيس الوزراء بمد اعارته 4 أشهر فوجئ بأنه أصبح وزيرا. ولله الأمر.