انتهت أزمة كنيسة قرية »صول« وتمت السيطرة علي الأحداث المؤسفة التي راح ضحيتها مواطنون أبرياء وأصيب العشرات وأتلفت ممتلكات، لكن هذا لا يعني انتهاء الخطر وإنما فقط نوم الفتنة التي يمكن ان تستيقظ مع أصغر شرر هنا أو هناك، ومع أصغر شائعة. لقد عادت الأمور إلي طبيعتها بقرية صول مركز أطفيح وبدأ في اقامة كنيسة القرية وإزالة آثار الشغب وعودة الجو الأخوي الذي يدعو إلي الاطمئنان بين المسلمين والمسيحيين.. هذه الروح لم تفقدها القرية حتي أثناء الفتنة ولعل هذا ما ساهم في إطفائها ومحاصرتها.. ولكن لا يمكن أن تظل المشكلة مرهونة بهذا الخطر الكامن، ويجب ايجاد الحلول العملية التي تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة، ولا يكفي في كل أزمة ان يلتقي شيخ الأزهر والبابا أو ممثل لكل منهما وعدد من رجال الدين ليؤكدوا ان كل شيء تمام ثم نفاجأ بفتنة جديدة في مكان آخر وبسبب آخر. لقد أصبح المصريون مسلمين وأقباطا أسرع إلي التحرك الأهوج بعد كل شائعة عن وجود مايمس عقيدتهم وأول الإجراءات المطلوبة تجريم الخوض في العقيدة وأن يلتزم كل طرف باحترام كل طرف باحترام عقيدة الآخر والتركيز علي ما يجمعنا كمصريين نعيش علي هذه الأرض والتركيز علي ما يجمعنا كأتباع لديانتين سماويتين، فالإسلام يأمرنا باحترام المسيح، بل أن إسلام المسلم لا يكتمل إلا بالإيمان بالأنبياء السابقين ويجب أن نعرف ان الدين أقوي من أن تنال منه علاقة شاب مسيحي بفتاة مسلمة أو العكس أو إسلام مسيحي أو تنصر مسلم أو مسرحية أخرجها مجموعة من الشباب أو جملة في كتاب. وإذا كانت أزمة الإسكندرية عام 5002 قد تفجرت بسبب مسرحية قبطية فقد سبق أن أثير الشارع بسبب بعض عبارات في رواية نشرتها وزارة الثقافة عام 9991 وهي رواية وليمة لأعشاب البحر في سوريا ولبنان قبل أن يعاد نشرها في مصر. وفي المقابل فإن الشارع القبطي هو الآخر أصبح سريع الاستثارة أمام مواقف كانت تحدث كثيرا مثل تغيير مواطن لدينه وهي حالات تحدث دائما في مصر وفي كل مكان في العالم دون الإثارة التي حدثت في واقعتي وفاء قسطنطين وكامليا شحاتة.. وهنا لابد أن نعرف ان هناك خللا في الشارع المصري، ففي الحالتين سواء وجود طرف قبطي أومسلم تحرك الشارع وراء شائعات. في الحقيقة ان العلاقة بين المسلمين والأقباط لم تكن لتأخذ الأبعاد التي بدأت تأخذها في السنوات القليلة الماضية كان التعايش طبيعيا ولا يستدعي التوقف عنده والعلاقات بين الجيران تستند فقط إلي الطبيعة الشخصية لهذا الجار أو ذاك بصرف النظر عن الدين، وكما يتصادف ان تجد جارا طيبا أو سيئا من المسلمين كان يمكن أن تجد نفس الشيء من الأقباط، وقد لا ينسجم جاران قبطيان أو جاران مسلمان أو مسلم وقبطي دون أن يدخل الدين طرفا أو يعتبره أحدهم سببا في الخير أو الشر. أذكر طفولتي في حي شبرا ان كان لعبنا المميز في فناء كنيسة مارجرجس وكنا نعرفها كما نعرف مسجد الخازندار الذي نصلي فيه لأننا كنا ندخلها في كل المناسبات السارة والحزينة مع جيراننا وعندما أتذكر اليوم فإنني لا أتذكر إلا الجارات المسيحيات أو أصدقائي المسيحيين سواء في الدراسة أو السكن. وهناك وقائع محفورة في الذاكرة كمناسبات.. مرض والدتي أو استشهاد شقيقي الأكبر لم تكن جاراتنا المسيحيات يتركننا وأصدقائي المسيحيون لم يفارقونا لحظة في هذه المواقف، وعندما قررنا الانتقال من شبرا للإقامة في مدينة نصر ودعنا جيراننا بالدموع ورغم مرور عشرات السنين إلا اننا لا نزال نحتفظ بالمودة والتزاور خاصة في المناسبات الكبيرة وواجبات التهنئة والعزاء أو الأعياد الدينية. أين ذهبت هذه الأيام وما الذي حدث كي يوصلنا إلي ما وصلنا إليه اليوم؟! الحمد لله لا نقول إن الأمور وصلت إلي حد العداء ولكن غير المريح أن يسارع البعض إلي تفسير أي حادث علي أنه حادث طائفي في البداية قبل أي تحقيقات وعندما تثبت التحقيقات ان الحادث جنائي تخرج الأصوات لتتهم الحكومة بالتراخي في تأمين الأقباط في كل ما وقع لهم من أحداث! النقطة الأخري التي تستحق الانتباه والدراسة هي لجوء الإخوة الأقباط إلي الكنيسة في كل حادث، وأخيرا أحداث قرية صول، وفي هذا اللجوء نوع من القفز علي سلطة الدولة ورفضها، ولا نريد هنا ان ندين الأخوة الأقباط أو أن نضعهم جميعا في نفس الخندق، لكن المسألة أصبحت ظاهرة وتستدعي الفحص للوقوف علي أسبابها بعيدا عن الإدانة.. إن ما حدث للأقباط من التفاف حول الكنيسة وإدارة الظهر للدولة المدنية ومؤسساتها هو رد فعل لفعل قامت به الدولة في فترة معينة عندما اطلقت الجماعات الإسلامية من قمقمها، علي ان اطلاق هذه الجماعات لم يكن في مواجهة الأقباط أو ضدهم ولكن ضد الناصريين والشيوعيين لكن أجواء الاستبعاد شملت الأقباط أيضا وهذا طبيعي فالجماعات المتشددة تستبعد حتي المسلمين الذين لا ينتمون إليها. من المؤكد ان هذه كانت البداية لعزلة الأقباط لكن هذه العزلة أخذت تتحول مع الوقت إلي انعزال وانتشرت الجماعات القبطية المتشددة ممن يطلق عليهم أقباط المهجر لتتعمق غربة الشباب القبطي عن أرضة هؤلاء أصبحوا يشكلون بؤرة تزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، فبعض هذه الجماعات يسارع دائما إلي توجيه التهم جزافا وادعاء اضطهاد المسيحيين حتي لو مات قبطي في حادث مرور!.. الأقباط جزء من نسيج هذا الشعب ومن الطبيعي ان يتعرضوا للحوادث المختلفة التي يتعرض لها المسلمون دون ان يكونوا مستهدفين في شيء، كما يحاول بعض المتشددين من الأقباط أن يدعوا ذلك في كل مرة. وإذا كنا قد اتفقنا ان بداية انسحاب الأقباط من الحياة السياسية كان نتيجة لخطأ سياسي فإن استمرار العزلة وتمسك بعض الأقباط باعتبار نفسه من شعب الكنيسة وليس جزءا من الشعب المصري هو خطأ القبطي يجب تصحيحه.. لقد كانت سلبية المواطن مسلما كان أو مسيحيا إحدي نتائج الممارسة السياسية منذ قيام ثورة 32 يوليو فقد أحس المواطن ان رأيه لا أهمية له وأن نتائج الاستفتاءات والانتخابات تخرج كما تريد الحكومة حضر أو لم يحضر، لكن الأمور تغيرت الآن بعد ثورة 52 يناير وبدأ المواطن يشعر بتغيير يعرف انه بمشاركته سيجعل التغيير أشمل وأوسع وقد حان الوقت، وهذا ما ظهر في استفتاء الأمس، لكي يعيد المواطن القبطي موقفه من الحياة السياسية لكي تعود مصر كما كانت دائما وطنا للجميع. هذا الطريق صعب وطويل ليس في سهولة الاستقرار بالخارج والشكوي من الاضطهاد ولكنه أيضا طريق آمن ولمصلحة جميع أبناء مصر ولمصلحة الحب بين المصريين، فاللجوء إلي الغرب يلحق الكراهية بين أبناء الشعب الواحد.. كذلك يجب علي الإخوة الأقباط ان ينتبهوا إلي اللعب بالنار الذي يقوم به البعض للهروب من مشكلات حقيقية.