5 سنوات ضاعت من جيل كامل في سوريا بسبب الحرب، فالمرحلة الابتدائية باكملها هي 5 سنوات . وشهد دخول الحرب عامها السادس مصرع 470 الف سوري وفرار 5 ملايين لاجئ وتشريد 6 ملايين داخل سوريا. ومن يعيشون في الداخل لا يحدوهم اي أمل في نهاية قريبة للحرب، فعندما تعيش في أتون المعارك طوال هذه السنوات، تصبح معتادا علي البؤس والشقاء والحرمان من كل شيء كالماء والكهرباء والصرف الصحي أما الرعاية الطبية فهي ترف لا يتوافر ابدا بعد قصف معظم المستشفيات وآخرها كارثة قصف مستشفي حلب الذي اودي بحياة اكثر من 50 سوريا. ولذلك فأنت تنسي بعد فترة الكتاب الذي كنت تقرأه عندما بدأت الحرب أو علاقة الحب التي كنت أنهيتها. وتتوقف حياتك تماما، ومع حالة رهيبة من اللامبالاة تعتاد علي صوت القنابل المنهمرة كالمطر. يقول جيني دي جيوفاني مراسل نيويورك تايمز في سوريا : ابلغني أحمد مجاهد (23 عاما) عبر سكايب انه لم ير أو يأكل الطماطم منذ سنة وان الاطفال الذين ولدوا في هذه السنوات الخمس لا يعرفون طعم الفاكهة.وان منزله في داريا تعرض للقصف عدة مرات وهو الآن يقيم مع بعض الاصدقاء . وهناك أمر آخر يحدث حاليا وهوعندما تستمر الحرب طويلا يشعر العالم بالسأم من صور الموتي والمستشفيات المدمرة والمدارس المحطمة ويتعب من إحصاء حالات الجوع والاغتصاب وعدد القذائف التي سقطت علي المناطق المدنية لان 5سنوات من الحرب تميت الرحمة في القلوب. يقول جيني انه عندما كان يعد التقارير للصحيفة في أغسطس2012 توجه إلي داريا وهي ضاحية سنية قرب دمشق برفقة صديقته مريم وأمها العجوز وكان النهار حارا للغاية وبعد وقت قصير في داريا -التي تعرف بمقاومتها الشرسة لنظام بشار ، حدث تنازع علي مسئولية المجزرة التي وقعت بالمدينة.. وكالعادة ألقي نظام بشار اللوم علي الجماعات الإرهابية في ارتكاب المذبحة.. ورغم نقل الجثث بعيدا الا انه كان يشم رائحة الموت قوية في كل مكان. وحاول التحدث مع شهود عيان عن الهجوم ولكن معظم الناس كانت تشعر بالرعب من هول قصف المروحيات وهجمات المدافع الرشاشة وكانوا يختبئون في منازلهم وفي ميدان المدينة قابلوا عددا قليلا من الأشخاص الذين قصفت منازلهم حيث كان الغبار يكسوهم ولكنهم نجوا من القصف. وقال أحد الرجال وهو ميكانيكي أصيب بشظية في إحدي عينيه ولم يعد يري بها بأنه يبحث منذ ثلاثة أيام عن والده وفي النهاية وجده ملقي في إحدي المزارع علي أطراف المدينة إلي جانب ثلاث جثث أخري لشباب تتراوح أعمارهم بين 16 إلي 20 عاما وتساءل كيف يمكن لأي شخص أن يقدم علي قتل رجل عجوز ضعيف؟. بعدها هربوا باتجاه أجهزة الأمن و أخرجوا المراسلين من المدينة فلم يكونوا يريدون أن نري الدمار او نطرح أسئلة علي الناس حول القصف وحول لهجات الجنود الذين اعتدوا عليهم ، لمحاولة تحديد إذا ما كانوا قوات شبه عسكرية أو حكومية. كان ذلك في بداية الحرب ولكن الأمر اليوم أكثر سوءا.. فداريا أصبحت معزولة عن العالم تماما.. فهي واحدة من حوالي 50 منطقة محاصرة في سوريا يعيش فيها وفقا لآخر تقرير ما يقرب من مليون شخص. وتحاصر القوات الحكومية هذه المناطق تماما أو جزئيا وفي حالات قليلة للغاية يحاصرها تنظيم داعش أو الجماعات المعارضة المسلحة. هذه الاماكن البائسة لا يمكن ان تدخلها الشاحنات التي تحمل الطعام والمواد الطبية ويستخدم فيها التجويع كأداة في الحرب، وإن كنت مصابا بمرض مزمن فسوف تعاني حتي الموت لأنه ليس في وسعك أن تحصل علي الأنسولين إن كنت مصابا بمرض السكر أو تتلقي العلاج الكيميائي أو حتي الحصول علي ما يكفي من مسكنات الألم إن أصبت في إحدي الهجمات حصار داريا مستمر منذ أكثر من 3 أعوام وكان المفترض أن تؤدي المفاوضات التي تجري برعاية الأممالمتحدة في جنيف إلي إثارة هذه القضية.. ولكن حتي لو تم استئناف هذه المحادثات مرة اخري، فإن جنيف بالنسبة للناس في داريا بعيدة بعد كوكب بلوتو. في الأسبوع الماضي وصلت مسئولة من الأممالمتحدة إلي المدينة ولكنها لم تستطع إدخال قافلة المساعدات وفي النهاية اعتذرت وأخبرت المحاصرين اليائسين أن العالم لم ينسهم ولكن كان من الصعب تصديق كلماتها. ففي يوم واحد خلال يناير الماضي تم قصف المدينة ب75 قنبلة كما أن نظام الأسد أسقط 7000 برميل متفجر علي داريا منذ يناير 2014 حتي فبراير الماضي. ويعتقد ان بالمدينة حوالي 12000 شخص من أصل 170000 ، كانوا يعيشون فيها من قبل وهم غير قادرين علي مغادرتها ويعيشون علي العدس والحبوب. حيث لا يوجد الا القليل من أنواع الخضار أو الدقيق لصناعة الخبز. وبعض الناس يعدون حساء رقيقا لا طعم له من البقدونس والجرجير والخس. وسعر كيلو السكر إذا كان في مقدورك العثور عليه- يكلف 30 دولارا أمريكيا ولكن النقود غير متوافرة كما ان الماء يأتي ويذهب ويتحكم النظام في ذلك و إذا انقطع الماء يضطر الناس إلي غلي مياه الآبار. ويقول جيني ان الحروب تنتهي في نهاية الأمر عندما تشعر أطرافها بالتعب وعندما يشعر المقاتلون بالانهاك بحيث لا يعد في وسعهم التقدم علي أرض المعركة، أو عندما يقرر المجتمع الدولي في نهاية المطاف أن هذا يكفي. ففي البوسنة استغرق الأمر 5 سنوات قبل أن تنتهي الحرب. ويري أن هناك الكثير من التشابه بين سوريا والبوسنة من حيث المعاناة الإنسانية والخسائر البشرية. ومع ذلك فإن السوريين العالقين في الداخل لا يسألون ما إذا كان هناك أي جهة قادمة لإنقاذهم. هذه اللحظات مرت وانتهت في أغسطس 2013 بعد الهجمات بالاسلحة الكيماوية في الغوطة عندما تجاهل أوباما «خطه الأحمر».. الشعور العام السائد لديهم الان أنه لا أحد في العالم يهتم بهم وأن الناس نسوا ما يحدث هنا تماما. ورغم ان لا احد يعرف متي تنتهي هذه الحرب.. لكن المؤكد ان السلام سوف يعود إلي سوريا و ستعود داريا وجميع المدن والقري التي تجمد الزمن فيها .