حسنا فعل الاتحاد المصري لذوي الإعاقات البصرية حين أحال فضيحة سفر وفد من المبصرين إلي بولندا بحجة حضور مسابقة كرة الجرس للمكفوفين إلي النائب العام. هذه الفضيحة التي وصفها تقرير لموقع قناة روسيا اليوم أنها «بجلاجل» أسفرت عن استبعاد مصر من تلك البطولة الدولية ومرمغ سمعتنا أمام المحافل الرياضية والدولية. وتتفاقم الكارثة حين تعرف أن سفر هؤلاء المبصرين بدلا من المكفوفين تم عن طريق الرشوة وكان وسيلة لهربهم من البلاد. ملخص الحكاية لمن لا يعرفها هو إنه صدر القرار الوزاري رقم 260 لسنة 2015، الذي سمح لبعثة تضم مبصرين بالسفر للخارج علي أنهم لاعبو فريق كرة الجرس للمكفوفين، وأكد القرار الوزاري الصادر من وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبد العزيز أنه بعد الاطلاع علي قانون الهيئات الخاصة بالشباب والرياضة فقد وافقت الوزارة علي سفر بعثة نادي الإيمان للمعاقين بالقاهرة (لاحظ اسم النادي) إلي بولندا للاشتراك في البطولة الدولية لكرة «الجرس»، في الفترة من 16 إلي 20 أبريل 2015، علي أن تضم البعثة 12 فرداً بينهم 8 لاعبين ومدير فني وإداري ومساعد مدرب ورئيس للبعثة. لم تلاحظ وزارة الشباب أن «نادي الإيمان» لم يطلب أي دعم مالي من الوزارة أو اتحاد المكفوفين لسفر البعثة، وتكفل بكل المصروفات من إقامة وإعاشة وتذاكر طيران ومصروف الجيب، دون تحمل اللجنة البارالمبية المصرية واتحاد ألعاب المكفوفين أي أعباء مالية، وتدفع البعثة 2340 دولاراً نظير الاشتراك بالبطولة والإعاشة والإقامة بخلاف البدلات ومصروف الجيب.. لعل الوزارة فرحت بذلك واستسهلت إرسال بعثة مصرية دون أن تتكبد مليماً واحداً فلم تكلف نفسها عناء البحث والتدقيق علي الأقل للاطمئنان علي المستوي الرياضي لبعثة ستمثل مصر وتلعب باسمها. ولم تلاحظ الوزارة أن معظم المسافرين لبولندا حاصلون علي دبلوم المدارس الصناعية، علي الرغم من عدم أحقية أي كفيف بالإلتحاق بهذا النوع من التعليم. مما ينم عن غياب تام للإشراف الحقيقي والمحاسبة. الغريب أن الأمر لم يفتضح إلا بالصدفة حين كشفه «بياضة» وهو أحد لاعبي كرة الجرس من المكفوفين. والأغرب أن مجلس الإدارة السابق للاتحاد المصري لذوي الإعاقات البصرية هو الذي تبني سفر تلك البعثة المزورة، وجاء مجلس الإدارة المعين حديثاً ليحيل الموضوع للنائب العام، ولم نعرف ما هي ظروف مغادرة المجلس السابق ولا ظروف تعيين المجلس الحالي. ولماذا أحال المجلس الجديد الموضوع للنائب العام ولم تفعل ذلك وزارة الشباب والرياضة؟. وما هي علاقة «نادي الإيمان» بالمجلس السابق وبوزارة الشباب والرياضة؟، وهل هناك ثمة علاقة بين هذا النادي وبين خلايا الإخوان النائمة؟ وما حقيقة مبلغ الخمسين ألف جنيه الذي قيل إن كل مشترك دفعها علي سبيل الرشوة من أجل إدراج اسمه في كشف المسافرين؟. وأخيراً أين هؤلاء الشباب وهل خاطبنا بولندا وبعثتنا الدبلوماسية هناك للبحث عنهم؟ أسئلة كثيرة نأمل أن يكشف النائب العام عن إجابتها. لكن علي هامش هذه التفاصيل الكاشفة عن واحد من أسوأ مظاهر الفساد، من المهم البحث أيضاً في الوسائل التي يبتكرها الشباب لمغادرة البلاد بشكل رسمي بعيداً عن مراكب الموت، سواء في صورة بعثات رياضية أو مسابقات علمية. فالقضية استدعت في ذهني حكاية الفتي عبد الله عاصم الشهير بالمخترع الصغير الذي توجه للولايات المتحدة في أبريل 2014 ضمن مسابقة نظمتها شركة «انتل» ثم رفض العودة للقاهرة. ومهم أيضا البحث عن هذا الدافع المُلّح الذي يجعل شاباً يستطيع تدبير هذا المبلغ الضخم من أجل الرشوة يفكر في مغادرة البلاد والبحث عن وطن بديل. بينما كان يمكنه البدء بهذا المبلغ في أي مشروع داخل بلاده. هل هو عدم الرغبة في الكفاح وبذل الجهد؟ وهل كان يتوقع أن تستقبله بلاد المهجر استقبال الفاتحين؟ أم أن الشاب من هؤلاء يحلم بالزواج من أجنبية تمنحه جنسية بلادها؟ أو ربما توجد منظمات وجماعات توفر لهم المأوي والعمل ؟ لا أريد أن يحلق بي الخيال التآمري إلي تصور وجود عصابات أو مافيا لاجتذاب شباب البلدان الفقيرة أو ربما بلدان الربيع العربي. الموضوع يحتاج لدراسة أوسع وأشمل.