وجوه شاحبة تحاول الخروج من المنازل القديمة التي حاصرتها مياه الأمطار والصرف.. أطفال صغار يحاولون اللعب ولكن لا يستطيعون.. في مشهد مؤلم وصعب لمواطنين رضوا بالقليل ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. رغم محاولات المسؤولين سد ثغرات المصرف بأكوام الأتربة كحل مؤقت للأزمة الا أنه سرعان ما تتسلل المياه من تحت الرمال لتزيد من إحباط أهالي نجع العرب المنطقة التي يعيش فيها الاف المواطنين بالاسكندرية الحزينة. المياه تحاصر جميع المنازل وتنساب في الشقق لتحجز سكان الادوار العلوية وتحول حياة سكان الطوابق الارضية الي جحيم فمنهم من ترك منزله ومنهم من يحاول الصمود أمام تيارات المياه التي تغرق مساكنهم وتقض مضاجعهم. في مدخل القرية كانت تتعالي صرخات الخطباء خلال المساجد في صلاة الجمعة، مطالبين الناس بضرورة التوبة والعودة الي الله حتي يرفع عنهم البلاء الذي طالهم جميعا، بمجرد أن تسير خطوات معدودة تواجهك بيوت غارقة في مياه المصرف الذي لم يتوقف إنهدار مياهه عليها. يحاول « عطية شحاته أحمد، الرجل السبعيني، حزم ما تبقي من أمتعته التي أغرقتها المياه، فهو يعيش في شقة صغيرة مواجهة للمصرف، تحت مستوي سطح الأرض، لينتقل الي شقة بالإيجار دبرها له أحد الأشخاص لمدة شهر، لحين إنتهاء الكارثة بحسب قوله-.. يقول شحاتة: «أنا أعيش وحدي هنا بعد وفاة زوجتي وليس لي أحد ولا استطيع العمل بعد أن كبرت في السن».. ويقول جيرانه أنهم اخرجوه من شباك الشقة وهو نائم بينما كانت المياه قد أغرقتها بالكامل. محمود محمد عبد اللطيف، يقطن في شقة بالطابق الأرضي بجوار عطية، أيضا تحولت حياته لجحيم بعد غرق كل محتوياتها واضطر للعيش للانتقال بعد أن تلفت الأجهزة الكهربائية ومتعلقاتهم وملابس الأطفال.. ويقول « عبد اللطيف»: كتب أولادي غرقت ومبقتش عارف اعمل ايه رميتها علي المصرف مبقاش في حاجة تنفع وحياتنا زي ما انتم شايفين». حياة تامر عبد الباري، لا تختلف كثيرا فهو يعيش مع أسرته المكونة من 5 أشخاص أيضا في المياه، فيقول :» أنا أعمل باليومية وعندي 5 أولاد ونعيش الان مع جيراننا بعد غرق الشقة».. في نفس المنطقة كانت الحاجة أمينة حسنين محمد غير عابئة بما يدور حولها فكل همها هو تنظيف المحل الصغير الذي كانت تربي فيه بعض الطيور ونفقت جميعها بسبب المياه. تقول بينما تبدو علي ملامح وجهها الحسرة انا سيدة عجوز وقمت بإقتراض مبلغ من الجمعيات الخيرية لتربية الدواجن لإعالة أسرتي ولكن في يوم وليلة فوجئت بالمياه تنهمر داخل المحل وتموت جميع الدجاجات. تضيف :» انا خلاص مش معايا فلوس ارجع الخسائر فماذا افعل، ربنا يسترها علينا»، تتدخل إبنتها وتقول بصوت مخنوق أمي زي ما انتم شايفين خسرت اللي حيلتها وأحنا مش معانا فلوس نرجع اللي راح مننا. بجوارها كان صبحي علي محمد الرجل السبعيني غارق في المياه يحاول نزحها بينما يتحصر علي رزق أولاده الذي توقف بعد الكارثة .. يقول الحاج صبحي، هنعمل ايه انا قلعت هدومي علشان انظف المياه التي خربت بيتي ودمرت حياتي، ربنا يسامحهم المسؤولين سايبنا كدا ومحدش عاوز ينقذنا ولا يعملنا حاجة علشان عايشين في نجع العرب. المأساة في نجع العرب كبيرة والمسئولون مشغولون بالمناطق الراقية ويضعون مسكنات منتهية الصلاحية لمنطقة متضررة ومقبلة علي كارثة حقيقية اذا لم يتدخلوا ويضعوا حلولا سريعة لتلك العزبة التي تعبت من كثرة الاحزان، فهل سيستجيب أحد وينقذ اهالي النجع قبل فوان الآوان؟!!