ولا تسأل لماذا لا يثق الناس في بعض القضايا ويستقبلونها بفتور غير مبرر، إذ يكفيك أن تراجع عشرات القضايا التي نزلت علي (فشوش) (1) في فرح محاربة الفساد، جميل هو ضرب النار كما في الأفراح، لكن دون أن تصيب الفرحين، فالواقع أن الكشف عن (اتهام) ولا أقول (تورط) كما استبقت وسائل الإعلام وزير الزراعة المصري، والطريقة التي ألقي القبض به من خلالها، مهما أرسلت من رسائل، فسوف ترد مرة أخري غير مستدلة علي عنوانه، لتفتح العديد من التساؤلات، فهذا البلد لا يحارب الفساد بقدر ما (يظغطه) ويرعاه، إما من خلال قوانين بالية، أو رقابة غائبة، أو ضمير ذهب ولن يعود أبداً، لتبدو الحرب علي الفساد ناجحة في حالة (الفاسد النونو)، وكلهم نونو بشكل أو بآخر، وغير مؤثرة في أنواع أخري من الفساد الإداري والأخلاقي والسلطوي، والأهم أن (الفاسدين) قريبين بشكل أو بآخر من دوائر غاية في الحساسية، حتي لتسأل نفسك وأنت تضرب كفاً بكف، كيف وجد وسيط رشوة سجن قبل سنوات طريقه لحفلات القوات المسلحة، وكيف اخترق الحكومة ليلعب الكورة بوزرائها في مباراة رخيصة رضوا هم بدور (التيشة) وهم يقفون بجواره في دائرته الانتخابية، ليحظوا بمقال ركيك يكتبه عنهم، فإن لم يفعلوا، كما في حالة وزيرة التضامن، حظوا بمقال أكثر ركاكة يشكك فيهم، ووجدت المقالات طريقها للموقع الشهير وفق (أجندة) مصالح، ليصبح التافه سيداً، وتصير الأنصاف والأرباع والأعشار مثار تقديم محترم لهم بوصفهم (إعلاميين)، ثم تسأل لماذا المهنة في خطر؟؟ يذكرني الأمر بالنكتة الشهيرة لطفل يسأل والده: هو الحب أعمي صحيح؟ فرد والده: بص لأمك وانت تعرف. (2) الآن مد الخيط علي استقامته. راشٍ كان متبرعاً في صندوق تحيا مصر السيادي الذي يظن البعض أنه (كارنيه) جديد للحزب الوطني سيحميهم، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفنهم ويغرقون ولا ينفعهم تبرعهم الذي يبدو كرشوة وليس تبرعاً للمساعدة في بناء بلد. مرتشٍ يطلب رحلة حج لأسرته، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن موقف الشيطان وهو يشاهده يرمي الجمرات عليه، إذ أتخيل أن الشيطان قد يبرح مكانه وهو يقول للمرتشي: يا أخي اتق الله. ولا تنسي (بدلاً) بآلاف الجنيهات، لزوم المصدر، وإفطار رمضاني في فنادق باهظة، وغيرها من الرشاوي التي استطاعت أجهزة رقابية اكتشافها، واستمع الرئيس لها فأصدر تعليماته بقبول (استقالة) وزير الزراعة، لكن الأمر يجعلك تسأل أيضاً، هل هناك خيار وفاقوس في الأجهزة الرقابية، إذ تشعر أن الرقابة الإدارية (حلوة)، وأن المركزي للمحاسبات (كخة)، وهي فرصة لنسأل عن الأجهزة الرقابية التي راجعت الذمم المالية للوزراء وعلاقاتهم، لنقترح أن يكون هناك اختبار أمانة للوزراء فيما بعد، واختبار ثبات انفعالي أمام البدل وتأشيرات الحج، بل ويمكن بحث صرف (بدل) مظهر للوزراء طالما أن منهم من يهتم بمظهره لدرجة تقاضي الرشوة في صورة جاكتات وبنطلونات. (3) أما الإجراءات، فسلم لي علي الإجراءات، ولا تسأل لماذا لا يثق الناس في بعض القضايا ويستقبلونها بفتور غير مبرر، إذ يكفيك أن تراجع عشرات القضايا التي نزلت علي (فشوش)، ومئات الفاسدين الذين نعرفهم بالإسم وترعاهم الدولة طالما تستفيد منهم، بل وتقربهم منها في كثير من الأحيان، بخلاف (كتيبة الإعدام الإعلامية) التي تخرج لتشتم وتردح وتسب وتشكك وتعطينا دروس في الأخلاق هم الأولي بها (4) هل تعلم أنك إن أردت شراء أرض بلا صاحب، فلتذهب للمسئولين، وسيقولون لك أنك يجب أن (تضع يدك) عليها، ثم سيتم (التقنين)، بشرط أن (تزرعها)، ولا يتم ذلك إلا عن طريق حفر (بئر) بإذن من وزارة الري، ووقتها تبدأ إجراءات التقنين؟؟. هل تعلم أن هذا الأمر يتم بالمزاج؟؟ وهل تعلم أن بعض مهندسي الأحياء يشاركون في الفساد ويقننون مخالفات البناء ويبيعون ضمائرهم بعشوة كفتة؟؟ وأن بعض رؤساء الأحياء مشاركين في الأمر، وأن سماسرة الفساد ووسطاء الرشوة يكادوا يكونون معروفون بالاسم دون أن يقترب منهم أحد ؟؟ وهل تعلم أن (حرقة دم) الناس تكون بسبب هؤلاء الفاسدين الذين يعرف الجميع فسادهم، وتزكم رائحتهم الأنوف وبدلاً من سجنهم، يفاجئون بهم في الفضائيات والاحتفالات الرسمية؟؟؟ (5) هذا وقت الانحياز إذن. لا أعرف معني لكلمة (الرئيس) يحارب الفساد، لكن أؤمن أنه لو أراد الجميع ذلك، فسيفعلونه، وأن نظاماً حقيقياً، وقانوناً محترماً لا يحميه حرامية لو طبق سيؤتي ثماره، وأعترف بأن عبارة أحمد زكي في فيلم ضد الحكومة لازالت سارية المفعول، لا تفني ولا تستحدث من عدم: "كلنا فاسدووووون".