كان أبي يقول لجدي: »آمين«. وكنت أقول لأبي: »نعم«.. لكن علي مضض. أما ابني فيجلدني بأسئلته: لماذا؟ وكيف؟.. قبل أن يقول لي: لا! ابني في سن 51 عاما. هناك 52 مليون مصري أقل منه عمرا. وهناك ممن هم في عمره وحتي سن الثلاثين، ما يقرب من 02 مليونا. أي أن أكثر من نصف عدد سكان مصر تقل أعمارهم عن 03 سنة. مصر بلد في ريعان الشباب، مستقبلها يجب أن يكون أزهي من حاضرها، لأن هذا الجيل من شبابها أفضل بكل المقاييس من سابقيه. هذا الجيل أسعد حظا من الأجيال السابقة، لأنه بضغطة زر علي جهاز التحكم يستطيع أن يشاهد العالم ويعرف ما يدور فيه في نفس اللحظة علي شاشة التليفزيون، وبضغطة علي الفأرة يستطيع أن يطلع علي كل جديد في العلوم ويبحر في المعارف، ويجد إجابات وافية علي كل ما يعن له من أسئلة عن طريق شبكة الإنترنت. أسعد حظا، لأنه حر من عُقد الاستعمار والاحتلال والهزائم، فقد أبصر الحياة وبلده منتصر وكل حبة تراب من أرضه محررة.. وأيضا لأنه تربي في الهواء الطلق، حيث الصحافة حرة، والرأي الآخر متاح، وحرية التعبير إلي حد ما مكفولة، والنضال إما مجاني أو زهيد الثمن! لكنه وللأسف، أتعس حظا من الأجيال السابقة، فطاقته مهدرة، مبددة، ضائعة، لا يستفيد بها هو ولا بلاده! الخطأ ليس منه ولا العيب فيه، إنما هو في أجهزة الدولة المعنية وفي مؤسساتها. فليس من المعقول أن يحتشد الشباب بالملايين تحت علم بلاده في مباريات كرة، ولا نسعي من أجل حشده في مشروعات وطنية لتعمير الصحاري واستصلاح الأراضي، عن طريق كتائب خدمة وطنية تستثمر طاقات الشباب من فائض الوعاء التجنيدي أي الذين لم يصبهم الدور في التجنيد. ليس من المعقول أن ننفق مئات الملايين لشق القنوات والترع ونمدها إلي الصحراء، ثم نهدي الأرض بتراب الفلوس للمحظوظين من المستثمرين العرب ورجال الأعمال، ونحرم منها زهرة شباب مصر ونتركهم فريسة لإحباطات البطالة. وعلي مستوي المشاركة السياسية، لا يوجد ما يغري الشباب بالانضمام للأحزاب التي اكتفي معظمها بممارسة العمل السياسي عبر صفحات الجرائد، ولا يوجد تنظيم قومي شبابي يتولي مهام التوعية والتنشئة السياسية لملايين الشبان وتشجيعهم علي المشاركة المجتمعية وعلي العمل السياسي في الجامعات والمعاهد أو علي مستوي الوحدات المحلية، ولعلنا ندرك أهمية هذا التنظيم إذا عرفنا أن أهم وزراء مصر وقياداتها الحزبية من الأغلبية والمعارضة وأقطابها النقابيين في السنوات الأخيرة هم من خريجي منظمة الشباب التي ألغيت في سنوات السبعينيات. ومن ثم تركت الساحة خالية لجماعات الاحتجاج وجمعيات الفوضي تستثمر حماس الشباب في غيبة التنظيمات الشرعية والقومية، وتجعل منهم وقودا لتحقيق أغراضها، بينما يقبع قادة هذه الجماعات والجمعيات في منازلهم يرقبون المشهد آمنين من مقاعد المتفرجين. مصر تنبض بالحياة، لأن شبابها يفيض حيوية، وعلينا أن نحسن توجيه وتنظيم هذه الطاقة الهائلة، إذا كنا نبحث عن مستقبل أفضل لهذا البلد.