ولأن المعاني مطروحة في الطرقات - كما يقول الجاحظ - فإن اللفظ وهو المبني والمحتوي يجب ان يكون جيدا ومصقولا حتي يأتي مفتولا مع المعني الجميل، الذي يستقي جماله من لغة رصينة. ولغتنا العربية بألفاظها الفصيحة، كانت خير مبني لأجمل معني وأجل دستور وأقدس كتاب انزله ربنا للبشرية في ليلة القدر. العارفون لقدر لغتنا العربية في صحفنا ومن صحفيينا قليلون اليوم. واذكر خلافا وقع بين الاستاذ عمر ابراهيم رحمه الله وكان رئيسا لقسم المراجعة التحريرية، والاستاذ موسي صبري رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير الاخبار حول كلمة ومدي صحة انتسابها للعروبة، واشتد الخلاف والنقاش وما كان لينتهي حتي أتي الاستاذ عمر بالدليل المفحم والبرهان القاطع بصحة رأيه وصواب فهمه، فما كان من الاستاذ موسي - وهو رئيس التحرير - إلا أن صدَّر مقاله في اليوم التالي بقوله »أخطأ موسي وأصاب عمر«. وعلي درب الاستاذ موسي عاصرنا اساتذة وزملاء أفاضل كانوا يقدرون اللغة حق قدرها منهم المرحوم الاستاذ عبدالمجيد نعمان وكمال عبدالرءوف وجلال عيسي وسعيد إسماعيل والسيد النجار ومن جيل الوسط رضا محمود وعلاء عبدالوهاب وابراهيم المنيسي.. وغيرهم ممن لا يتسع المقال لرصدهم، ومن الشباب ذلك الفذ ياسر رزق، وقد كنت أرقبه محررا شابا تحت التمرين، لا يكاد ينقضي يوم دون ولوجه لقسم المراجعة سائلا او مستفسرا، وغالبا مستوثقا من كلمة او مستوضحا معني.. وهو لا يأتي مستسلما بل محاوراً ومجادلاً حتي يطمئن قلبه ووعيه ويستقيم اللفظ علي لسانه وفوق ثنايا قلمه لغة جيدة وأسلوب جزل وعبارات رصينة ومعاني - رغم طرحها في الطرقات - لا يقوي علي صيدها وإعادة صياغتها سوي قناص ماهر يعرف أين يجد جواده الشارد فيحويه ويمتطيه. ياسر رزق.. استقبلنا خبر اختياره رئيسا للتحرير، نفحة علوية طيبة، ونغمة صحفية راقية، وشدوا جميلا لكلمة رائعة في عالم الصحافة الذي امتلأ غثاءً في معانيه ومبانيه التي مالت للعامية.. وليتها محترمة.