تكذبُ جميعُ أختامِ الوصولِ والسفرِ من كلِّ المطاراتِ، حتي لو طُبعتْ في صالةِ الملكات الجديدة بمطار هيثرو، لن يجزمَ أحدٌ ببلوغِك هذه العاصمةَ، لندن العصيَّة، إذا لم تأتِ أولاً صاحبةُ عصمةِ هذه الإمبراطورية، ملكة البريطان.. «يا صاحبةَ الإباءِ، والسموِّ، يا ملكةَ هذا العرشِ، أنا علي أبوابِ قصرك العزيز في برمنجهام الأنيقةِ، أعرفُ أنك لستِ بالداخل، عَلمٌ آخرُ غيرَ ذلك الملكي مرفوعٌ، أفرجوا أخيراً عن جواز سفري المُحتجز بسفارتك في بلادي، سمحوا لي بدخولِ مُلكك، في طريقي إليكِ سَلمت علي إبراشية ويست منستر، قالت لي مرشدتي البليغةُ نهي سعد، إن جميعَ الزيجات الملكية تُشهر تحت قبتِها.. يا مالكةَ أرضِ الضبابِ، دعيني أروي لكِ من أنبائي.. أنا صاحبُ الإسمِ السالفِ أو هذا المُذيلٌ في آخر كتابي عنكم، آتٍ من أرضٍ لا تغيبُ عنها الشمسُ، تعرفينها، لكِ فيها ذكري، أبتْ يوماً الانضمامَ لزمرةِ أجدادِك، اعذريها.. هي طبيعتُها العنيدةُ، عاش أجدادُ رفعتكم حكاياها.. جئتكِ من نفسِ الأرضِ التي تعشقون ترابَها، وأنتم تعلمون.. يا صاحبةَ السطوةِ، والحيلةِ، أنا علي أعتابِ بابكِ العالي، أقفُ ساكناً، وقورًا، متي سمحتِ بالدخولِ، دخلتُ، ومتي تمنعتِ، أُقدرُ! ضرباتُ أقدامِ رجالِ حراستك ال«كولد ستريم» صارمةٌ، مسموعة من بُعد، لا أرهبُها، أنا أيضاً صاحبُ مُلكٍ وسيادةٍ، ومهابةٍ في أرضي، وتاريخٍ تعرفه الخلائق، جئتك طالباً الإذن، وأعرفُ أن أحداً لا يُظلم في مُلكك.. رفقاً أطلت الرسالة، لكنها آدابُ الزيارة!». توسو الطريدة كيف يا «توسو» وأنتِ فرنسيةٌ خالصةٌ أن تُغادري، ومن اجترأ ودفعك للرحيلِ، وأيُهم تجاسر وأخرجك من محرابِ فنك، باريس النشوانة، ولم لندن يا عزيزتي؟!، اصمدي.. لدي دليل براءتك، لي تجربةٌ مماثلة.. خَوَّنوكِ في بلادكِ، أعرف ذلك!، وصموكِ بالعمالةِ، نعتوكِ بالموالاةِ للملك؟!.. غدروكِ يا «توسو»، حاكموكِ ظلماً، نصبوا لكِ المقصلة، رقبتك الشمعية البيضاء كانت ستذهب بتهمةٍ حمقاء، يصفونها في بلادي يا مدام ب»الفلول»، نعم هي التهمةُ الغبيةُ، من تُحاكم الثورات يا «توسو»، وأي بر ترسو عليه!!.. لولا فرارُك يا «توسو» لكُنا محرومين الآن من متحفك. امتلأ متحفك يا «توسو» عن آخره بالزائرين، تماثيل الشمع لا ينقصها إلا نفخ من روحُك، اسمك وحده يُروج للندن، يعرف ورثتك البروتوكول الملكي، يختصون الأسرة الملكية بجوقةٍ منفردةٍ، تتقدم إليزابيث الجميع، النساءُ لهن الأولويةَ حتي في الشوارع، أما الفنانون ودعاة التحرر والتنوير، فرسموا أمكنتهم، واحتل النازيون وزعماءُ الحروب، وقادةُ العالم مساحاتٍ أكبر من تلك التي يستحقونها.. أجريت هنا يا «توسو»، حواراً صامتاً مع أينشتين، وانفردتُ بتصريحاتِ خاصة من الرئيس الروسي، وصارحتُ المستشارة الألمانية باحترامي، وعانقتُ الزاهد غاندي، وذبت رعباً بين يدي حكايا هيتشكوك، وأبلغت تشارليز ديكنز ولعي بروايته «أوقات عصيبة»، وضبطوني منحنياً ولهاً أمام ديانا أميرة ويلز الفاتنة، بعد عزلها منفردة، وتأملتُ ضحكةّ شارلي شابلن الحزينة، وواسيتُ وحدة مادونا المُغرية.. واااوو يا «توسو».. العالم كله مدينٌ لكِ وأنا معهم. «ماما.. ميا» علي تنهيداتك الُملتاعة يا صوفي تُفتح الستار، تغني صوفي الحالمة: «I have a dream»، «لدي حلم»، هكذا تُهمهم الحائرةُ ابنة دونا العاشقة الإنجليزية، لُغز صوفي الضائع يتحمل وزره فسقُ دونا، نعم هي من غوت ثلاثة رجال إسبان في وقتٍ واحد، وعاشرتهم في نفس الأسبوع، أيهم يزُفكِ يا صوفي ليلة عُرسك، ويتأبطك؟!.. كذلك تتساءل أوراقُ روايةِ كاثرين جونسون كاتبة مسرحية «ماما ميا»، مذكراتُ الأم تفضح المستور، عثرت عليها صوفي أخيراً مُدكنة، تُراسل ثلاثتهم، تدعوهم للحضور في أمرِ جلل، لعل غريزة الأبوة تُفصح عن سر دونا!.. علي خشبة مسرح نوفيلو الراسخ في إحدي نواصي منطقة كوفنت جاردن، ترقي الرواية بالمشاهد الإنجليزي وغيره.. حي كوفنت جاردن الساحر، انتُهك عرضه طويلاً، وحملت سفاحاً علي أرصفته عاهرات كُثر، كان المقر الفاجر للدعارة والعربدة بقلب لندن، وقررت إحدي حكومات البريطان الشريفة منع النشاط، كما فعلت إحدي حكوماتي بشارع محمد علي! انحسارُ النهر من عيونك يا لندن أري انحساراً شديداً يحجم ماء نهرك الوثير، الصورة من أعلي فاحصةٌ، حَجر المجري يبدو علي الضفتين، الماء قل تدفقه، انكماشاً أصاب جسد التايمز اليافع، «كيث» يؤكد أن نهره انخفض اليوم عن منسوبهِ المعتاد لأكثر من سبعة أمتار كاملة، ربما صدق هذه المرة! ساقية «London Eye»، أو عيون لندن، المشروع فكرة لشباب إنجليز، نُفذ احتفالاً بالألفية الحالية، الساقية ترتفع 135 مترا فوق النهر، دقات بج بن، تخرق لسعة البرد، وزمهريره، تخطف النظر في اتجاه مبني البرلمان البريطاني، المواجه لوزارة الدفاع الإنجليزية، نعم ساحتها مرئية بالكامل! من هنا تكشف أصالة المدينة، واصطناعها أيضاً.. تماسكي يا لندن، وإياك الانجراف في تيارٍ يشوه كيانك، وسكانك، ويُميت شياكة ذوقك المعتاد، ارفضي الواجهات الحديدية الصماء، وثوري علي الزجاجية منها أيضاً، قاومي التردي، والإحداث، نحي الأبراج الشاهقة، والمباني المُزيفة، ما هذه البنايات المفتعلة يا كيث؟.. «هي إنشاءات خليجية ابتليت بها لندن مؤخراً، تضم المقراتِ الإدارية والشركات الخاصة، والكيانات الجديدة!». «كيث» أيها المرشد المرتبك بصحبتك إلي ناحية مقر شرطة سكوتلاند يارد، أحصف بوليس في العالم، يُقسم «كيث» أن مبني هذا المقر الناضح بالخبايا والأسرار مملوكٌ لدولة قطر، نعم قطر!!.. يتساءل المرتبك مقهقهاً: ماذا فعلوا به بعد الشراء، هل نُقل إلي الدوحة؟.. كلا!! نفس الزاوية أمام مقر مبني الأمن القومي الإنجليزي MI5، تنخفض نبراتُ «كيث» الرخيمة، ويعلو صوتَه زفيرٌ مُرتعش: هو الجهة الوحيدة التي تتبعك، وترصد وارد بريدك الإليكتروني، وتتنصتُ علي اتصالاتك الشخصية، وتُراقب تحركاتك.. صدقت يا «كيث» ثانية! دموع لندن أخيراً يا لندن.. جئتك زائرا غير مسلحٍ ولا مُحتلٍ، حتي أظافري مُقلمة، ولحيتي محفوفة، ولا أملك إلا قلم يُفكر، ولي تأشيرة بالزيارة مرات مفتوحة حتي ستة شهور، أعدك بمعاودةِ اللقاء خلالها، ذلك إذا أذنت العظيمة إليزابيث ملكة البريطان.