تتميز الصحافة الاليكترونية عن الصحافة الورقية بسمة " التفاعلية "، بمعني ان زوار موقع الصحيفة الاليكتروني يستطيع اي منهم استغلال الامكانية المتاحة للتعقيب والتعليق علي المادة الصحفية المنشورة سواء كانت مادة خبرية او مادة رأي في صيغة مقالات، ولهذه التفاعلية مميزات وعيوب، فهي من ناحية تشعر القاريء او المتعامل مع الموقع بأنه جزء من العملية الاعلامية، ومن ناحية اخري تحقق للمؤسسة الاعلامية خاصية رصد رد الفعل او ما يعرف برجع الصدي تجاه المادة الاعلامية من زوار الموقع، وبعض المواقع تنبه وتحذر الزوار من الخروج عن الاداب العامة او ما يمس الاديان او عبارات السب والاحتقار عند ممارسة " التفاعلية " المتاحة لهم من الموقع ، بل وتطالب من الزوار ان يبلغوا عن اي مشاركة خارجة عن هذا الاتفاق، وبعض المواقع الاخري تريح نفسها من وجع الدماغ وتشير بعبارات واضحة انها غير مسئولة عما يرد من تعليقات علي تلك المادة، والمفترض ان تكون هناك عملية " فلترة " و " تنقية " من الموقع لما يرد اليه من تعليقات ، سواء كانت تعليقات علي المادة الاعلامية او تعليقات علي تعليقات الزوار الاخرين. لكن وللأسف الشديد لوقمنا بجولة سريعة علي مواقع الصحافة الاليكترونية العربية التي تدعي انها ذات مهنية ومصداقية فسوف نتوقف علي حجم المعارك المشتعلة بين المعلقين، وعبارات التحريض والذم والتكفير والتخوين، السباب والتحقير، بل والتهديد والوعيد بما يكشف عن ضحالة التفكير، الامر الذي يثبت بالدليل القاطع ان تلك المواقع التي تدعي المهنية والموضوعية هي ابعد ما يكون عن ذلك، لانها عندما تتيح سمة " التفاعلية " لزوارها حول بعض الاخبار والموضوعات الشائكة، ولا تقوم بواجبها في عملية " التنقية والفلترة " لما هو مسموح به وما هو غير مسموح، فهي بذلك تكشف عن سوء نوايا القائمين عليها، ورغبتهم في خلق وتصعيد سخونة المناخ المتوتر والمتأزم، ليس عن جهل وانما عن عمد، ووفق حسابات ومصالح لا يعنيها المصلحة العليا للمجتمع. المصيبة ان في عالم الانترنت الافتراضي، يتعامل زوار المواقع بعناوين وأسماء وهمية، ومن الممكن ان يختلق القائمون علي الموقع مئات العناوين والاسماء التي يروجون بها لسمة التفاعلية مع مواقعهم فيشعلون النار بالتعليق المفبرك والتعليق المضاد الذي يشكل مصيدة تجذب الاخرين وتحرك داخلهم الانفعال والتوتر الذي لا يجد من يحد منه، وتخرج الازمة من الواقع الاليكتروني الافتراضي ليتم ترجمتها في الواقع الحقيقي في صورة فتنة طائفية او مذهبية بين ابناء الدين الواحد. لهذا اتمني علي تلك المواقع ان تأخذ الامر بجدية، وضمير وطني خالص، فإما ان تغلق " التفاعلية " علي صفحاتها واما ان تمارس دورها الواعي في عملية " الفلترة "، ومن هنا احيي المبادرة التي اطلقها الداعية عمرو خالد للقيام بحملة إليكترونية بعنوان 'إنترنت بلا فتنة'التي بدأ الناشطون العاملون في موقعه ترويجها بشكل واسع عبر مواقع التواصل مثل فيس بوك وتويتر واتمني ان تؤتي ثمارها بالتجاوب معها.