أولا: لماذا النيل المصري؟ لأنه السبب المباشر، وربما الوحيد، الذي هيأ لشعب مصر الاستقرار في هذه المنطقة من العالم، حيث استطاع ان يقيم اول حكومة منظمة عرفها التاريخ، وبناء حضارة مزدهرة مازالت آثارها الرائعة قائمة رغم مرور آلاف السنين. اما الامر الثاني فهو ان مجري النيل داخل الاراضي المصرية يعتبر اطول من مجراه في أي دولة افريقية تشاركه فيه وثالثا ان عدد السكان المصريين الذيني يشربون من النيل، ويعيشون عليه يتجاوز عدد السكان في أي دولة افريقية يمر بها نهر النيل. وليس معني هذا كله ان تستأثر مصر بمياه النيل، وتحرم منه أحدا، بل انها قد توافقت منذ زمن طويل علي توزيع الحصص، حتي يستفيد من النيل كل من يعيش علي ضفافه. لكن هذا النيل، الذي وصفته الاغاني المصرية بالنهر الخالد، قد اصبح يتعرض حاليا لبعض المخاطر التي تتطلب وعيا مصريا، وحكمة افريقية تضبطان الامور، وتحدان من المخاطر التي يأتي في مقدمتها: مطالبة عدد من الدول الافريقية التي يجري النهر في اراضيها باعادة توزيع هذه الحصص، وبالتالي تطالب بتخفيض حصة مصر منها »التي تبلغ 55 مليار متر مكعب في العام، وهذه الكمية - مع تزايد سكان مصر - قد اصبحت تكفي بالكاد لاحتياجاتها الضرورية من الري ومياه الشرب. اما الخطر الثاني فيأتي من انفصال جنوب السودان، وهذا معناه ان ينفرد هذه الجزء بحصة خاصة به، سوف تؤثر بالتأكيد علي حصة كل من مصر والسودان »الشمالي«. ويكمن الخطر الثالث في سعي بعض الدول ذات التوجه الاستعماري، بالاضافة طبعا الي اسرائيل الي مساعدة دول حوض النيل في بناء المزيد من السدود علي النيل الافريقي، وهو الأمر الذي سوف ينعكس بالسلب علي حصة دولة المصب الكبري وهي مصر. ولست أدري من منكم يتذكر معي اننا كما نعلن بكل حسم ووضوح ان مسألة التلويح بمياه النيل تعتبر خطا احمر لن تقبل مصر تجاوزه، بل انها يمكن ان تحارب من أجله، لأنه هو شريان الحياة الرئيسي لها، لكننا عدنا وتقبلنا الأمر الواقع، وحاولنا اقامة حوار متكافيء مع الدول الافريقية المتذمرة فلم نوفق في ذلك، حتي انها اسرعت بعقد اتفاقية فيما بينها دون ان تشارك فيها كل من مصر والسودان »قبل ان يصبح بلدين«! والسؤال الآن: ماذا نفعل امام تلك المخاطر، خاصة وان نسبة الزيادة السكانية عندنا في ارتفاع رهيب من اين سيشرب كل هؤلاء ؟ وكيف يزرعون نباتهم، أو حتي يغسلون أوانيهم وثيابهم؟ واجابتي البسيطة والمتواضعة اننا منذ هذه اللحظة علينا ان نوجه جزءا من اهتمامنا لتحلية مياه البحر، وفي نفس الوقت، نعتبر النقطة الواحدة من ماء النيل ثروة لا تقدر بمال، فلا ينبغي هدرها، ولا رش الشوارع امام المقاهي بها.. اما الري الزراعي فلابد ان يتوقف الاسلوب العتيق في غمر الحقول بالماء، وان يحل محله الري بالرش أو التنقيط، مع التخلي نهائيا عن المحاصيل التي تتطلب المزيد من المياه، واخيرا لابد من خطة علمية وعملية لعدم تسرب نقطة واحدة من ماء النيل في البحر المتوسط، فأهل مصر أولي بها.. اما الذين يستخدمون حمامات السباحة في فللهم فأقول لهم: راعوا الله والوطن في هذا الماء، ويكفي ان تستحموا بالدش، فهو أطهر لكم!