المستشار: محمود الوزىر إذا أردنا أن تكون الديمقراطية نظاماً لنا فكان علينا لزاماً أن نفقه قواعدها.. فالديمقراطية الحقة تستند إلي عاملين رئيسيين هما ضبط النفس والشجاعة الخلقية. فضبط النفس يُعلم الشعب متي ينبغي له التنازل عن رغباته وآرائه. فهو أساس الأمن والنظام في المجتمع.. أما الشجاعة الخلقية فتقضي بأن يقف الشعب بجانب ما يعتقد بأنه حق مهما تكن النتائج فالشجاعة الخلقية هي سبيل المجتمع إلي النهوض والتقدم. وهذان العاملان الأساسيان لن يقوما بوظيفتها خير قيام ما لم يترب الشعب علي إدراك واجباته وحقوقه اليومية فيمارسها بأمانة ودراية. فالشجاعة وضبط النفس فضيلتان مناقبيتان وسواء أكانتا جوهرتين في الإنسان أم لم تكن فالذي لا ريب فيه أن بالإمكان اكتسابهما وتقويتهما بالتهذيب والقدرة في ظل مجتمع يتيح لهما مجال النشوء والترعرع عن طريق التربية والتعليم ولا تقتصر التربية والتعليم علي الصغار فحسب بل تتجاوزهما إلي الكبار أيضا.. مما ينشأ تفوق الفكر والشخصية ووجاهة الحكم في المسائل.. فلكي يحالف الديموقراطية النجاح ينبغي للأفراد الخاضعين لنظامها أن يتحلوا بمثل هذه الفضائل التي هي في الحقيقة من دعائم الديموقراطية. ومن هنا كانتا الديموقراطية والقيم تسيران جنباً إلي جنب فلا غني لإحداهما عن الأخري. فهما تنهضان معاً أو تسقطان معاً لأنهما جوهر الاختيار.. فحيث لا اختيار،لامجال للاختلاف، وحيث لا مجال للاختلاف فكيف ينمو الوجدان ويترعرع؟ وهل بإمكان الديموقراطية أن تنهض إلا في مجتمع يستيقظ فيه وجدان الشعب وضميره؟ أليس بقدر ما يستيقظ يحوز ما يستحقه من ثقة.. ومن أسف أن نري البعض في عصرنا مصابون بداء الخلط القاتل بين الفوضي والديمقراطية الآسي الذي لا نهاية له علي مدي فقر الأخلاقيات وضعف العقول نظراً لما بها من جهل يسهل استغفاله وإفساده وذلك من فئات اتجاهاتهم لا إنسانية هؤلاء الذين تغذت عقولهم علي الخطأ فأفسدها الجهل وحط من قدرها. وليس من ينكر أن في حياتنا السياسية فساداً، وأن في مجتمعنا مساوئ، ولكن من ذا الذي في وسعه الإتيان بها هو أضمن سبيلا إلي السلامة والفلاح إلا نحن ولئن كنا هدفاً بسهام الذين يطالبوننا بالكمال، فلأننا جلبنا ذلك علي أنفسنا بسوء تصرفنا وسلوكنا. وعلي ذلك فلابد إذن من وجود الروح النظامية والأخلاقية في الشعب واتفاقنا علي مبدأي التوافق والحل الوسط اللذين هما من صميم النظام الديموقراطي فنحن ننتهج الآن طريق التطور ومن الطبيعي أن يعمل ذلك علي ظهور التناقض في مواقفنا، إلا أنه تناقض ينتهي آخر الأمر ، إلي حل يقبل عليه الجميع فيصبح بذلك قسماً من تقاليدنا وعاداتنا ولسنا نخشي الاختلاف في الرأي، لأنه أسلم السبل إلي الحقيقة.. ونحن نتفق بأن الإصلاح الحقيقي الناجح هو ما انبثق من الداخل لا ما فرض من الخارج.. لأن النظام الديموقراطي لا يمكن أن يبقي إذا لم يتمكن من تهيئة أسباب بقائه.. فلا يمكننا أن نتصور وجود الديموقراطية دون تنظيم يكفل لكل فرد أن يتمتع بحريته إزاء الآخر وكذلك يكفل لمصالح المجتمع ألا تتعرض للخطر فهذا وذاك يمثلان حدين تقف عندهما فلا تتعداهما ويكون للدولة وقتئذ بما لها من سلطة في القيادة والتوجيه أن تعمل علي اتخاذ كل ما يستطاع من الوسائل لدرء كل ما يستطاع من المساوئ وليس في هذا ما يتعارض مع مبدأ سيادة الشعب لأنه لا خلاف في أن ممارسة الديمقراطية الصحيحة لا تكون إلا باتباع السلوكيات الرفيعة والمعرفة المتحضرة. والحق أن للديمقراطية بعض الوسائل التي تهدف من ورائها إلي ضمان حسن استخدام الشعب لسلطته غير أن هذه الوسائل تبقي حبراً علي ورق ما لم نجعل أنفسنا مسئولين عن تطبيقها فممارسة الديمقراطية هي كالسير اندفاع مضبوط مستمر نحو الأمام فإذا لم تقدم رجلا لنسند بها أخري فلا مناص لنا من السقوط.. وعندما يكون التقدم متوقفا علي التفاعل بين الديمقراطية والعلم، حق لنا أن ننظر إلي العصر الحاضر بعين الخشية والأمل معاً أما الخشية فمما يلاقيه هذا التفاعل أحياناً من عقبات تقيمها بعض التداعيات السياسية والاجتماعية. خوفاً من أثر العلم في إيقاظ الجماهير وأما الأمل ففي قيام مجتمع متحضر يتحلي بالعلم وضبط النفس والشجاعة الخلقية. ومهما يكن من أمر فإنه مصدر الديمقراطية في مصر سيقرر خلال السنوات القليلة المقبلة فإذا كان للديمقراطية أن تعيش وتنمو توجب علي الشعب أولا اقامة الدليل علي انها تصلح في عالم أكثر تعقيدا وأنه لديه القدرة علي التمسك بفضائل الثبات والأناة والدراية والتعقل في وجه شتي ضروب الاستفزاز ان يكون قدوة صالحة في عالم تغريه الديكتاتورية أشد الاغراء ولن نكون قدوة صالحة ما لم نعمل بعزم وحزم علي استئصال المساوئ التي نشكو منها وما لم نتحل ببعد النظر في امورنا، ان ولادة حياة جديدة لا تتم إلا بالآلام والاوجاع فلماذا نخشي هذه الآلام والاوجاع في جهادنا لايجاد عالم جديد تسود فيه الحرية في ظل ديمقراطية تهدف إلي الحفاظ علي، والتوفيق بين السيادات المتناهضة والقيم الاخلاقية للفرد من جهة والمجتمع من جهة أخري ففي ذلك عون ايجابي لها علي تحقيق نظام اخلاقي اسمي.