هل علينا شهر ربيع الأول الذي ولد فيه أشرف من خلق الله.. سيدنا محمد بن عبدالله، قدوة المقتدين في الصفات التي يتمناها المخلصون للخلق جميعا، العظيم في كل ميزان! موازين الدين والعلم والشعور. عظيم عند من يختلفون في العقائد.. نقل قومه من الايمان بالاصنام إلي الايمان بالله، لم تكن أصناما كأصنام يونان، يحسب للمعجب بها ذوق الجمال، لكنها أصنام كتعاويذ السحر التي تفسد الاذواق والعقول، نقلهم محمد من عبادة هذه الدمامة ، إلي عبادة الحق الاعلي ونقل العالم كله من ركود إلي حركة ومن فوضي إلي نظام. ومن مهانة حيوانية، إلي كرامة إنسانية، لم يملك قوة هذه النقلة قبله ولا بعده أحد من أصحاب الدعوات.. وعمله هذا كفيل بوضعه في المكان الأسمي بين صفوة الاخيار الخالدين.. ميزان العبقرية يرجح بمحمد ميزان العمل، وميزان العقيدة، فهو نبي عظيم وبطل عظيم وانسان عظيم ولد في أمة تتأهب لتكون دولة، تيقظت لوجودها، ففي أيديها تجارة الدنيا كلها.. من خليج فارس إلي بحر الروم من اليمن إلي الشام ومن بحر القلزم الي بحر الروم، أمة تيقظت لوجودها وعرفت شأنها وفتحت عيونها فالمحيطون بها يريدون السيطرة عليها.. هرقل الروم يرسل إلي مكة من يحكمها وأبرهة الحبشي يزحف إلي مكة بمن يهدم كعبتها ويستبدل بها كعبة غيرها. كان عبدالمطلب جدا صالحا لنبي كريم، فابنه عبدالله نعم الأب لذلك النبي العظيم، تم اختياره للفداء وفاء لنذر أبيه عبدالمطلب تحدثت فتيات مكة في الخدور بوسامته وحيائه، وودت مئات منهن لو نعمن بالزواج منه.. فهو الفتي الذي مات وهو غريب، وولد له نسله وهو دفين.. وخرج محمد إلي الوجود لا يدانيه آخر في صفاته الفاضلة التي هيأته لتلك الرسالة الروحية.. نبيل عريق النسب فقير.. ليس بالغني المترف فيطغيه بأس الاغنياء.. يتيم بين رحماء، ليس بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والارادة والاستقلالية.. تربي في الصحراء وألف المدينة، ورعي القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب واقترب من الاغنياء ولم يبتعد عن الفقراء.. أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاة. كلف خالق الكون محمدا بالرسالة، وكان كاملا بالصفات التي لا غني عنها في إبلاغ رسالة عظيمة، كانت له فصاحة اللسان واللغة، والقدرة علي تأليف القلوب.. كانت له قوة الايمان بدعوته وحرصه علي نجاحها.. كان جمال فصاحته في نطقه كجمال فصاحته في كلامه وصفته عائشة رضي الله عنها بقولها: »ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس إليه«.. كانت له مع الفصاحة صباحة ودماثة تحببانه إلي كل من رآه وتجمعان إليه قلوب من عاصروه اهتزت لمولده عروش الفرس والروم واطفئت أنوارها.. يبكي الحجر حين يراه، وجذع الشجرة اذا استند إليه ولا يتوقف الحجر عن البكاء الذي يسمعه الصحابة الا حين يضمه إليه، ولا يتوقف أنين جذع الشجرة الا بعدما يحتضنه.. اصطحبه جبريل في المعراج يرقي به سماء بعد أخري ويتوقف سيد الملائكة عند السماء السابعة ويطلب من سيد البشر أن يتقدم إلي الملأ الاعلي، إلي سدرة المنتهي، إلي حيث لا يعلم ما هناك إلا الله ويقول جبريل لمحمد تقدم فان تقدمت انت اخترقت وان تقدمت أنا احترقت.. صلاة الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله..وليت من يتشدقون بالاسلام يعلمون حقيقته ولما فعلوا ما يفعلون، لا يتلذذون بالقتل وبإسالة الدماء، لا يكبرون عند هدم المنشأت واحتراق السيارات..المسلمون الحق الذين دخلوا في الدين الجديد كانوا يتعرضون لسيوف المشركين ولا يعرضون احدا لسيوفهم.. كانوا يخرجون من ديارهم لياذا بأنفسهم وأبنائهم من كيد الكائدين ولا يخرجون أحدا من داره.. حملوا السيف ليدفعوا الاذي ويبطلوا الارهاب، لم يحملوه ليبدأوا أحدا بعدوان.. وكانت الحروب النبوية كلها حروب دفاع.