من الواضح ان حكم محكمة النقض العليا بإلغاء تواجد الحرس الجامعي من جامعة القاهرة قد أحدث ارتياحا عاما في الأوساط الجامعية كلها لكنه القي علي الجامعات مسئولية حماية منشآتها وحفظ الأمن بها من خلال إدارة يتبعها جهاز مدني يكون تابعا لرئيس الجامعة وذلك حرصا علي استقلال الجامعة كما ورد في مسودة الحكم، والذي اريد ان اقوله هنا هو ان الاستقلال الحقيقي للجامعات انما ضعف ثم تلاشي عندما أنشيء »بقرار سياسي« المجلس الأعلي للجامعات سنة 4591 فوضع الجامعات المصرية تحت إشراف وزير التربية آنذاك السيد كمال الدين حسين، ويومها لم يكن في مصر كلها سوي ثلاث جامعات فقط هي: القاهرة والاسكندرية وعين شمس، بالاضافة طبعا إلي الجامعة الأمريكية التي لم يشملها القرار! والواقع ان هذا القرار كان هو السبب المباشر في التأثير الحقيقي علي الاستقلال الأكاديمي والإداري للجامعات، وهو الذي مازال يؤثر حتي الآن في جعلها نسخا مكررة من بعضها فازال مع الأسف خصائص التمايز بينها بحيث انها إذا ضعفت: ضعفت كلها. انني اتحدث هنا من منطلق اكاديمي خالص وليس سياسيا، فكل جامعة ينبغي ان تستقل بنفسها تماما في وضع مناهجها وتطويرها بالأسلوب الذي يناسبه، وكذالك في التخطيط والمتابعة لسير العملية التعليمية والأنشطة التي يمارسها الطلبة وتدريبهم، وكذلك في وضع وتنفيذ خطة البحث الخاصة بها، ثم - وهذا مهم أيضا- في تعيين المعيدين وترقية أعضاء هيئة التدريس واختيار القيادات الجامعية، والخلاصة ان تترك لكل جامعة الحرية الأكاديمية الكاملة في هذه الأمور حتي تتحمل مسئوليتها وتتمكن من منافسة غيرها من الجامعات الأخري، محليا وعالميا. ان هذه الحرية الأكاديمية موجودة بل ومتوافرة بقوة في كل جامعات العالم المتقدمة: فجامعة هارفارد في أمريكا تتميز في مناهجها وأسلوب العمل بها عن جامعة برنستون، وجامعة السوربون بفرنسا تختلف عن جامعة ليون أو ليلل في نفس البلد، وفي بريطانيا ليست جامعة اكسفورد أو كمبردج طبق الاصل من جامعة لندن، وهكذا الحال في كل الجامعات المتقدمة والتي تتنافس فيما بينها وتسجل اسمها باقتدار في قوائم التصنيف العالمي للجامعات والتي مازلنا نغضب ونشكو من عدم وجودنا فيها. والسؤال الآن: هل يوجد فوق هذه الجامعات المتقدمة »مجلس أعلي« يفرض عليها إجراءات موحدة مثل الذي عندنا؟ والاجابة بكل تأكيد: كلا لا يوجد.