يسجل المؤرخ المصري القدير د. وليم سليمان قلادة (1924 - 1999) في كتابه الرائع: "المسيحية والاسلام علي أرض مصر" الصادر في فبراير 1986 ما يلي: (... أيقنت أن اطلاع كل فريق علي تراث الآخر وفكره بروح التعاطف ورغبة في الفهم لابد أن يدعم الترابط بينهما. بمعني أنه حين يقترب الدارس لتراث الآخر، وفي ذهنه أن هذا التراث والفكر إنما قصد به تأكيد كرامة الإنسان والدفاع عن حقوقه وتمكينه من ممارستها ... حين تكون القراءة والدراسة لتراث الآخر بهذه الروح فإن العديد من الحواجز والموانع تزول، ويقبل الواحد إلي زيادة التعرف علي رفيقه في مودة شديدة ورغبة حقيقية لفهم هذا الذي يشاركني مواقفي العملية بل هو خير مني في خدمة الآخرين ومد يد العون السخي لهم). أننا في أشد الأحتياج لترسيخ هذه المفاهيم بين جموع الشعب التي تجهل الآخر، ومن هنا يأتي الظن بالسوء والبغضاء والعداوة والكراهية التي تتحول علي أيدي الجهلاء إلي القتل وسفك الدماء!! من هنا - أود مخلصاً - أن أقدم علي صفحات جريدة الأخبار إن أمكن سلسلة من تلك المقالات للتعريف بالآخرحتي نحافظ علي أمن وسلامة وطننا الغالي الذي يحترق أمامنا بلا مبرر وبلا سبب. النموذج الوطني الأول الذي أقدمه هو الطيار تُحتمس (أو تُهتمس) كامل غبريال (1924 - 1948) وكان قد تخرج في الكلية الحربية في يوليو 1944 وفي نوفمبر من نفس العام أتم دراسته الجوية. في 5/41/8491 أنتهي الأنتداب البريطاني لفلسطين فدخلت الجيوش العربية في مواجهة مباشرة مع اسرائيل في 5/51/8491 كان تُحتمس من أوائل الطيارين الذين ذهبوا إلي ميدان القتال. وجاء في سجل خدمته العسكرية الأعمال الآتية: في 5/61/8491 أغار وضرب ميناء تل أبيب، في 5/71/8491 قام بقصف معسكرات الجيش الإسرائيلي جنوب تل أبيب، في 5/81/8491 قام بضرب محطة أتوبيس تل أبيب، في 5/91/8491 أغار مرتين ففي الأولي قصف مصنع الأوكسجين وفي الثانية دمر محطة كهرباء جنوب تل أبيب. في 5/22/8491 أصدر قائد العريش أوامره بإعداد خمس طائرات في الحال لضرب المطار القريب من حيفا، لم يكن علي تُحتمس الدور لهذه الغارة إلا أنه تطوع ذ من منطلق وطني صادق ذ مع زميله "محرم" للقيام بهذه الغارة. ويذكر قائد السرب أنه شاهد قنابل الطيار تُحتمس تنفجر وسط طائرات العدو المتراصة بمطار حيفا. أستشهد في تلك المعركة أربعة من صفوة الطيارين المصريين وسقط قائد السرب أسيراً، أما تُحتمس فكان آخر من أسقتطه الطائرات البريطانية التي كانت تقاتل بجانب الطائرات الإسرائيلية والذي ظل يقاومها بمفرده مدة عشر دقائق. سقطت طائرته في أحد الحقول وقد أشتعلت فيها النيران وأستطاع بعض الفلاحين العرب - بإمكانياتهم المحدودة - أن يُخرجوا الطيار من الطائرة المحترقة، وبعد فترة من الزمن عبرت نفسه الوثابة الحدود الأرضية وأنطلقت إلي الوطن المحبوب مكللة بكل شجاعة وأقدام ووطنية. كرمته وزارة الحربية في 1/2/9491 بوضع صورة كبيرة له في وسط زملائه شهداء فلسطين الأبطال في المتحف الحربي بالقلعة، كما قام الملك فاروق بتكريم والدته السيدة ألن تادرس المصري (كانت أول رئيسة للجنة الأحتفال بعيد الأم - توفيت عام 1989) وفي عهد الثورة قام المشير عبدالحكيم عامر وزير الحربية بصرف معاش أستثنائي لوالدته كما تم أطلاق اسمه علي أحد الشوارع القريبة من ميدان تريمف بمصر الجديدة وعلي إحدي القاعات الجوية الهامة. تاريخ مصر ملئ بالأعمال الخالدة لأبناء مصر الأوفياء من أقباط ومسلمين، فلماذا لا نتحالف سوياً ونضع يدنا في يد بعض لمحاربة التخلف والجهل والبغضاء، وننطلق إلي الأمام لنبني مصرنا الغالية. ليعبد كل واحد منا ربه بطريقته الخاصة طبقاً لعقيدته بحرية كاملة. فجميع الأديان السماوية وغيرها تحث علي المحبة والآخاء.