صباح اليوم التالي لمجزرة استاد بور سعيد في الأول من فبراير من العام الماضي والتي شاهدناها علي الهواء مباشرة ارتدت زميلتي أستاذة مها فودة السواد ورفضت أنا ارتداءه حتي القصاص والثأر لشباب غض صغير السن، كل جريرته أنه ذهب ليستمتع بمشاهدة مباراة لكرة القدم وتشجيع لاعبيه فوجد من يذبحه ويطعنه ويخنقه ويلقي به من أعلي مدرجات الاستاد، أكثر من 73 قتيلاً ومئات المصابين وسط غياب أمني تزامن معه فتح أبواب الدخول وغلق أبواب الخروج..! ظللنا نبكي لأيام طويلة، كلما دخلت علي مها التي تشاركني المكتب أجد وجهها وقد غابت ملامحه وسط الدموع الغزيرة.. مر ما يقرب من عام علي التحقيقات وحتي جاء النطق بالحكم صباح السبت الماضي، ارتاح القلب قليلاً وإن غابت دقاته لقصور ما شعرنا به..! من قتل يقتل، 21 متهماً تم تحويل أوراقهم للمفتي، لكن يبقي السؤال، هل هؤلاء هم فقط المتورطون في هذه المجزرة..؟ هل قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم..؟ من وراءهم..؟ ما هي اليد أو الأيادي التي قامت بتحريكهم وتحريضهم..؟ من أدخلهم أماكن الألتراس، من فتح لهم الأبواب بعد أن أغلقت..؟ ومن أغلق الأبواب بعد انتهاء المباراة..؟ من تورط من أجهزة الأمن في عدم حماية المشجعين..؟ ولماذا تركوا المكان للقتلة ولم يحركوا ساكناً لحماية أبنائنا..؟، وأسئلة أخري كثيرة تدور بذهني وأذهان الكثيرين.أعقبت تأجيل النطق بالحكم لباقي المتهمين حتي 9 مارس القادم. والذي أعقبه مذكرة من النائب العام بإعادة فتح باب المرافعة في القضية بسبب وجود أدلة جديدة قد تغير مجري القضية رأساً علي عقب، أي أن الحكم ليس نهائياً،.وقد تفتح تلك المدة للفاعلين والمحرضين الفعليين للمجزرة ترتيب أوراقهم.للهروب من فعلتهم البشعة، وقد يكون أيضاً من حق المتهمين اتخاذ كافة إجراءات التقاضي باللجوء إلي النقض.. وهي الحالة التي أدت إلي أحداث الشغب التي حدثت طوال اليومين الماضيين وراح ضحيتها عشرات من الضحايا،.. ولكن.. أيا كانت وجهة نظرنا في القرار الصادر من المحكمة وهو لا ينفي أن محاكم الجنايات في مصر من أرقي محاكم الجنايات في العالم، والقضاة في مصر نثق فيهم وفي نزاهتهم فهم خط الدفاع الرئيسي لنا ولدولة القانون، ولكن التخوف قد يكون تأصيلاً لما هو قادم، وكما شاهدنا من قبل في قضايا عديدة من طمس الأدلة وعدم تقديمها للمحكمة،إن مذبحة أزهقت فيها أرواح أكثر من 73 شهيداً ذبحوا وقتلوا شنقاً وألقوا من الأدوار العليا للمدرجات ليست جريمة بل جرائم بشعة في آن واحد، وهناك المئات من الشهداء أزهقت أرواحهم طوال العامين الماضيين ولم يؤخذ حقهم بالقصاص العادل، وهناك العديد من الدلائل التي أظهرتها النيابة العامة بمتهمين جدد مشاركين في مجزرة بور سعيد ومجازر أخري في موقعة الجمل وأحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية والاتحادية ولم يتم الأخذ بها..؟ إن غضب الشعب المصري الهادر لن يطفئه سوي القصاص العادل من كل من ارتكب جريمة في حقه، إن الغضب الشعبي الهادر لن يطفئه سوي تحقيق مطالب الثورة التي انتفض من أجلها..الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية فلماذا يُضَن علينا بتحقيقها وهي مطالب إنسانية وإلهية عادلة تحقق السلام والاستقرار الذي ينشده الجميع شعباً ومسئولين وحكاما..؟ .. إن مسلسل الدم لن ينتهي مالم تتحقق هذه المطالب وسنفقد الكثير والكثير من أبنائنا ما لم نحكم العقل والضمير، والحرية ثمنها صعب والقادم مظلم ولكن لكل طريق مظلم نهاية منيرة ومضيئة.. وعلينا جميعاً شعباً ومسئولين مزيد من الصبر والحكمة في احتمال القادم حتي تتحقق مطالب الثورة. بأقل الخسائر ولنحيا كراما، ويحيا كل مواطن مصري أياً كانت اتجاهاته وانتماءاته كريماً معززاً مكرماً.. يارب.. كم ستأخذ الحرية من أبنائنا حتي تتحقق..؟!