أعدت قراءته عدة مرات وفي كل واحدة أتمني لو أخطأت الفهم أو أن عيناي أصابهما حَوَل أو أن عقلي من كثرة همومه وأوجاعه والأزمات والكوارث المتكررة التي تعيشها البلاد قد أصابه شيء من الخلل أعجزه عن استيعاب تلك التصريحات المستفزة المنشورة مؤخراً بإحدي صحفنا القومية منسوبة إلي رئيس بنك التنمية والائتمان الزراعي. لم أتصور أن يخرج علينا الرجل خلال مؤتمر صحفي مع وزير الزراعة ليحدثنا عن »العنوسة« وارتفاع عددها إلي تسعة ملايين نسمة! ويفاجئنا بارتداء عباءة حَلاَّل المشاكل مُصَدر السعادة الزوجية لكل مزارع.. معلناً عن مبادرة سحرية لحل هذه المعضلة المستعصية.. متناسياً أنه ليس وزارة للشئون الاجتماعية أو جمعية أهلية أو حتي مكتب خطبة وتزويج!! المبادرة تتيح لشباب المزارعين قروضاً تعينهم علي تكاليف وأعباء الزواج وليست لتحسين المحاصيل الزراعية أو زيادة إنتاجية الأرض أو لشراء أعلاف أو تقاوي أو كيماوي أو حتي لتربية العجول أو الطيور أو غيرها من المهام الخطيرة الموكلة له لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد والسلع الغذائية والزراعية والحيوانية التي تضمن تحويل مصر من بلد مستورد لا يمتلك قوته اليومي إلي دولة مصدرة تنتج طعامها وبأيديها وفؤوس فلاحيها ومزارعيها وعزيمة وهمم رجالها وأهليها تسد جوع أبنائها واحتياجات شبابها وبناتها. لكنهم تجاهلوا كل ذلك وتبنوا تشجيع تعدد الزوجات ولم يكتفوا بعروس واحدة أو اثنتين بل بثلاث.. وإن تدرجت نسب فوائد القروض لتبدأ ب3٪ تتضاعف في الزيجة الثانية ويعاقب راغب الثالثة بزيادتها إلي 51٪ بينما تجاهل رئيس بنك الائتمان الزراعي تماماً الزيجة الرابعة دون سبب واضح! إنهم بذلك يتلاعبون بأموال الشعب ومصارفه دون وجه حق.. البنوك ليست عزبة أو ملكا خاصا لرؤسائها يتحكمون فيها حسب أهوائهم ومعتقداتهم.. وعليهم التخلي سريعاً عن مبادرة الهلاوس والتفرغ لتحسين حال الزراعة والمزارع وليس لإشباع حاجة المجتمع الذكوري ورغبة مريضة لتركيع المرأة المصرية وتحويلها إلي سلع تباع وتشتري لكل من »هَب ودَب« حتي ولو كان بالربا »والفايظ«! البنوك يا سادة ليست محال بقالة ولن تكون مكاتب لتزويج العوانس.. فلا تعبثوا بأمن واستقرار مصرنا.. فمن يمتلك غذاءه هو من يمتلك حريته وذاته.. وليس من يشبع رغباته وتتعدد زيجاته وتكثر عياله تتقدم شعوبه وتنهض بلاده.. خاصة في مجتمع منقسم يقاسي، يصرخ ويعاني من تراكم ديونه وأوجاعه! ارحمونا واتقوا الله فينا.