سيظل الإنسان إلي ألوف مقبلة من السنين لغزا محيرا.. وستظل قدرته علي التأثير فيما حوله لغزا هي الأخري!! السبت: يقول عالم الأجناس الفرنسي »الفريد ميترو« أن السحر قدرة علي التأثير الإرادي في الأشياء والأشخاص.. وأنه في عصور مختلفة كان هناك بعض الذين استطاعوا تنشيط هذه القدرة حتي درجة التوهج فأصبحوا قادرين علي القيام بأعمال أقل ما نستطيع أن نصفها به أنها غريبة، أو مدهشة، أو متفوقة.. ومن أشهر أولئك »سايمون ماجوس« أو »سايمون الساحر«، الذي ولد في السامرة بفلسطين، وتعلم فنون السحر علي أيدي بعض كهنة مصر.. وقال عنه الذين عاصروه أنه كان يقوم بأعمال خارقة يعجز الإنسان عن ايجاد تفسير لها.. مثل تحريك الأجسام الثقيلة من أماكنها دون أن يلمسها، أو الارتفاع بجسده في الهواء، أو التلاشي عن الأنظار فلا يبقي منه سوي صوته.. وكان أيضا يستطيع استدعاء نفوس الموتي والتحدث معها.. وأنه استدعي نفس »هيلين« ملكة طروادة أكثر من مرة، وحاول ايقاعها في غرامه، لكنها ضاقت به، وتسببت في إصابته بمرض الصرع الذي لازمه حتي وفاته.. ويقول »ميترو« أن »سايمون ماجوس« اعتنق المسيحية بعد أن ذاع صيته كساحر، إلا أن مختلف آباء الكنيسة رفضوه، واتخذوا منه موقفا عنيفا بسبب ممارسته السحر الأسود، وإلحاقه الضرر بكثيرين.. ولذلك سافر إلي روما، وسعي إلي التقرب من حاكمها نيرون للاحتماء بسلطانه.. بأن قام باستدراج أحد حراس قصره، وقام بتخديره حتي فقد وعيه، ثم لوث عنقه ببعض الدم.. وعندما أفاق أقنعه بأنه قطع رأسه، وأماته، ثم أعادها إلي مكانها فرده إلي الحياة.. وصدق الحارس.. وتناقل زملاؤه الحكاية حتي وصلت إلي »نيرون« الذي أمر باستدعاء »سايمون« إلي القصر وضمه إلي حاشيته!! وتقول الباحثة الفرنسية »مايا ديرين« أن السحر الذي ازدهر في مصر القديمة، والهند، والصين، وأوروبا، تحول في »هايتي« إلي دين له طقوس ومعابد وكهنة يدعون إلي آلهة متعددة.. وأن هذا الدين قائم حتي الآن، وتتمسك به بعض قبائل »هايتي« التي تقع علي الشاطئ الغربي من جزيرة »سانت دومينجو« في البحر الكاريبي.. ويرجع تمسك بعض قبائل »هايتي« بهذا الدين إلي إيمانهم بالمعتقدات التي جلبها أجدادهم من أفريقيا في عصور الرق عندما كانت جزيرة »سانت دومينجو« محطة لسفن تجار الرقيق العاملة بين أفريقيا وأمريكا.. فقام الأسبان الذين كانوا يسكنونها - في ذلك الوقت- بشراء بعض الرقيق لاستخدامهم في حراثة الأرض وزراعتها.. ويوما بعد يوم تكاثر العبيد وازداد عددهم حتي أصبحوا يشكلون الآن خمسة وتسعين في المائة.. ولعل الجهل والفقر من الأسباب التي جعلت بعضهم يتمسكون بمعتقدات أجدادهم حتي الآن.. والكاهن في »هايتي« يتمتع بإرادة قوية تمكنه من السيطرة علي رعاياه.. بوصفه الساحر والطبيب الذي في وسعه طرد الأرواح الشريرة، واستدعاء نفوس الموتي والتحدث معها، وتخليص المرضي من أمراضهم، بمساعدة الآلهة التي تستجيب لجميع مطالبه ورغباته.. وتقول »مايا ديرين« أنها كانت قد ذهبت إلي »هايتي« في عام 0491 ضمن إحدي البعثات.. فاستأجرت منزلا للإقامة فيه، وألحقت إحدي بنات هايتي في خدمتها.. وذات ليلة استيقظت من نومها علي صراخ الخادمة فهرعت إليها، لتجدها تتلوي علي الأرض من شدة الألم، وتضع يدها علي أسفل بطنها.. وعندما استدعت الطبيب، قال انه يشك في انفجار المصران الأعور، ونصح بنقلها فورا إلي المستشفي.. لكن الخادمة رفضت وألحت في الذهاب بها إلي الكاهن!! وتقول »مايا ديرين« أنه لم يكن في وسعها أمام إصرار الخادمة وتوسلاتها إلا أن تحملها في سيارتها إلي الكاهن.. الذي طلب من الخادمة أن تتمدد علي الأرض.. وبدأ في إحراق البخور وتلاوة التعاويذ، وهو يمرر يده برفق علي مكان الألم.. فإذا بالخادمة تهدأ، وتستغرق في النوم.. وتستيقظ بعد أقل من نصف ساعة وقد شفيت تماما دون إجراء أي جراحة!! الجمهورية السوداء! يقول »سبنسر سان جون« أحد قناصل بريطانيا السابقين في »هايتي« أن كهنتها يقومون بأعمال مرعبة أثناء ممارساتهم طقوسهم السحرية.. وأن بينهم من يمارس أفعالا شاذة مثل مص الدماء، وأكل لحوم البشر.. وعندما انتهت مدة عمله وعاد إلي انجلترا، نشر كتابا مثيرا بعنوان »هايتي.. أو الجمهورية السوداء«، قال فيه أن كهنة هايتي يتمتعون بمكانة مرموقة بين أتباعهم ومواطنيهم.. وأن أشهر أنواع السحر التي يقومون بها هي تلك التي تؤدي إلي إنزال ألوان من العقاب الوحشي ببعض من يخرجون علي طاعتهم.. وهم يقومون بذلك من خلال وضع صورة الضحية في وعاء به ماء، ثم يبدأ في ترديد بعض التعاويذ وهو يطعن الصورة بطرف سكين حاد، أو سن إبرة طويلة.. فإذا تحول الماء أثناء ذلك إلي دم فإن معناه الموت المؤكد للضحية في نفس اللحظة، أو بعد بضع لحظات!! وقد جذبت الأعمال السحرية التي يقوم بها كهنة هايتي عشرات الباحثين الأوروبيين الذين يهتمون بالسحر والقوي الخارقة للإنسان.. وأحد هؤلاء كتب قصة مثيرة عن سيدة فرنسية كانت تقيم مع أسرتها في »هايتي« وقال أن تلك السيدة كانت شديدة الاعجاب بقدرات الكهنة السحرية المتفوقة، خاصة قيامهم باستدعاء نفوس الموتي والتحدث معها.. وكانت تحرص علي زيارة المعابد أثناء إقامة الجلسات الدينية.. وقد نشأت علاقة صداقة بينها وبين أحد الكهنة، الذي أخبرها ذات يوم إنها لن تعيش طويلا، وستموت في حادث.. وطلب منها أن تستأجر بيتا لتعيش فيه وحدها في انتظار الموت.. وأنه سوف يستمر في علاقته بها بعد موتها!! وبالفعل قامت باستئجار منزل، وانتقلت إليه رغم توسلات أهلها بعدم تصديق الكاهن، ولكنها أصرت، وطلبت منهم عدم التصرف في المنزل بعد موتها، لأنها سوف تتردد عليه بعد الموت للقاء صديقها الكاهن.. وحدث بعد عدة أشهر أنها كانت تستحم فسقط سقف الحمام فوق رأسها وماتت.. وقام أهلها بدفنها في مقبرة الفرنسيين في »هايتي«.. مرت ثلاث سنوات.. وتصادف أن أحد أقاربها كان يسير في الشارع الذي يقع فيه بيتها فرآها تطل من النافذة.. وسرعان ما ذاعت الحكاية في المدينة كلها.. وذهب أفراد أسرتها إلي البيت، وبحثوا عنها في كل مكان فيه فلم يعثروا لها علي أثر.. وبعد ثلاثة أسابيع أخري رآها شقيقها تطل من نفس النافذة.. فساورت أسرتها الشكوك.. وقرر والدها التأكد من وجودها في القبر.. وعندما حفروه وجدوا هيكلها العظمي خارج التابوت.. وعندما رفعوا غطاء التابوت وجدوا فستانها الذي دفنت به سليما ونظيفا ومطويا بعناية في جانب من التابوت!! كان المشهد مذهلا ومثيرا للدهشة.. وطلب والدها من حفار القبور إعادة الهيكل العظمي داخل التابوت، فوجئوا بأن عظام الهيكل أصبحت أطول من التابوت بحوالي عشرين سنتيمترا.. ولم يكن في وسع الوالد سوي شراء تابوت جديد، ووضع فيه عظام ابنته وقام بشحنه إلي باريس لدفنه في مقبرة الأسرة هناك!! والديانة التي لايزال كهنة هايتي يتمسكون بها حتي الآن، تقوم علي الاعتقاد بأن الإنسان نفس وجسد.. وأن النفس عندما تغادر الجسد بالموت، تذهب إلي أقرب نهر، أو مجري ماء عذب، لتستقر في قاعه لمدة عام كامل، قبل أن تصعد إلي السماء.. وخلال هذا العام يتحتم علي ذويها الذهاب إلي الكاهن ليقيم احتفالا تؤدي فيه طقوس خاصة بعد وضع إناء من الفخار فوق منصة من الحجر، لتحل فيه نفس الميت عندما تجيء للمشاركة في الاحتفال.. ثم يقدم ذوو الميت القرابين للنفس كي ترضي عنهم وتمدهم بالحماية والبركة.. ويقول »سبنسر سان جون« في كتابه.. ان ما يقوم به كهنة هايتي من الأعمال السحرية الخارقة يجعل الباحثين يترددون قبل اتهام أولئك الكهنة، بالنصب أو الدجل، لأن بعض هذه الأعمال كان يتم علي مسمع ومرأي باحثين أوروبيين، يرقون فوق مستوي الشبهات، ومن الصعب الشك في صدقهم.. ومن بين ما رآه هؤلاء الباحثون بأعينهم في هايتي، أن أحد الكهنة السحرة استطاع ان يحول قطة إلي ذئب.. وعندما أظهر أحد المشاهدين تشككه في صحة ما يراه بعينيه، قام الكاهن بتحويل نفسه إلي ذئب وكشر عن انيابه، فهرب الجميع من الغرفة وأوصدوا بابها عليه!! أرض الرعب الحقيقي! ويقول الأديب الفرنسي الكبير »ميترو« ان هايتي ليست أرض السحر، فقط وإنما هي أيضا أرض الرعب الحقيقي، أو أرض الجحيم كما يسميها بعض الباحثين.. وليس غريبا أن بعض الناس الذين يعيشون فيها يرفضون الخروج ليلا إلي أطراف المدن والقري.. وهم لا يفعلون خوفا من الوحوش، أو الضواري، أو الأشباح، ولكنهم يخشون لقاء الكهنة في الخلاء، أو غيرهم من السحرة الأشرار فيفتكون بهم في الظلام.. ويمضي »ميترو« فيقول أن بعض الكهنة يقيمون حلقات للسحر ليلا، يقترفون خلالها أفعالا رهيبة، ويقيمون ولائم طعام يأكلون فيها لحوم النساء والأطفال.. ويتبادلون مص الدماء، ويفترسون بعض الحيوانات الحية.. وأن هناك جماعات سرية ينتمي إليها سحرة أشرار من أشهرها »الجماعة الحمراء«، و»جماعة الخنازير الرمادية«، يقوم أعضاؤها بقطع الطرق ليلا، لا للسرقة، ولكن لافتراس الآدميين ومص دمائهم، وأكل عيونهم، وأثدائهم إذا كانوا من الإناث.. ويستخدمون أطرافهم وشعورهم في طقوسهم السحرية.. ويقول »ميترو« أن من أغرب ما سمع به أثناء وجوده في »هايتي« تلك الحكايات المرعبة التي يتناقلها الناس هناك، عن »سيارات النمور« التي يستخدمها السحرة الأشرار في عمليات خطف الأشخاص.. ويقول أنه كان يتصور في بداية الأمر ان تلك الحكايات تروي علي سبيل المزح والدعابة المخيفة.. لكنه اكتشف بعد ذلك انها حقيقة واقعة، عندما تعرض أحد اصدقائه للاشتباه في أنه أحد أفراد هذه الجماعات المرعبة، وكاد يتعرض للفتك به علي أيدي سكان إحدي القري لولا أن القدر ساق أحد الأشخاص الذين يثق فيهم سكان القرية وأخبرهم أنه يعرفه شخصيا، وأنه لا علاقة له بأعضاء تلك الجماعات.. ويذكر »ميترو« في اليوميات التي سجل فيها كل مشاهداته في »هايتي« أنه تحري عن جماعات الخطف تلك، وتمكن من جمع الكثير من المعلومات التي تنطوي علي كثير من الخطورة.. ومنها أن هذه الجماعات التي تنطلق ليلا لخطف وافتراس ضحاياها من الآدميين التعساء، يحميها بعض المسئولين الحكوميين الذين يشغلون مناصب مرموقة.. ومنهم حاكم هايتي نفسه الدكتور »دوفالين«، الدكتاتور الذي بقي في الحكم عدة سنوات، وكان حراسه والمقربون إليه ينشرون الرعب والفزغ خلالها تحت حمايته!! ويقول الباحث الانجليزي »كولن ويلسون« في كتابه القوي الخفية.. أن هذه الأنواع المرعبة ليست موجودة فقط في »هايتي«.. وإنما عرفتها أيضا أوروبا، وانتشرت في دولها إلي حد مفزع مما دفع الكنيسة إلي شن حملة إبادة واسعة ضد كل من يمارس ذلك »السحر الأسود«، واكتسحت أعمال اصطياد السحرة انجلترا، وفرنسا، وإيطاليا في موجات متتابعة، أما في ألمانيا فقد حدثت مذابح رهيبة للسحرة.. وعندما حاول »ديتريش فلاد« نائب حاكم مدينة »تريف« ومدير جامعتها.. استخدام نفوذه لكبح جماح صائدي السحرة، واقناعهم بالاكتفاء بنفي السحرة بدلا من إحراقهم.. شكوا فيه، واتهموه بأنه حليف الشيطان، وألقوا القبض عليه، وحوكم محاكمة سريعة انتهت بخنقه، ثم إحراق جثته!! »وللحديث بقية«