مصر هي الحاضر الغائب، في كل المحافل العربية .هذه هي خلاصة زيارتين، قمت بهما لكلا من قطر والبحرين، خلال الأسبوعيين الماضيين، زرت المنامة للمشاركة وحضور أعمال القمة الخليجية، التي استضافتها العاصمة المنامة. وهو الموعد السنوي المحدد لها في ديسمبر من كل عام، في احد العواصم الخليجية الست . كانت ملاحظتي التي أبديتها لوزير الخارجية في مملكة البحرين الشيخ خالد بن احمد آل خليفة، غياب ذكر مصر في البيان الختامي .قلت للوزير هل هناك تباين في وجهات نظر قادة دول الخليج، تجاه ثورات الربيع العربي، كانت وراء ذلك الغياب .الوزير أكد أن العلاقات مع مصر ودول الخليج تاريخية، لا يمكن الحكم عليها، من بيان هنا أو هناك. وهي اكبر وأعمق من ذلك بكثير. ولعل القراءة المتأنية للبيان الختامي للقمة، يكتشف فيه المتابع، اختلاف كبير عن البيانات السابقة، فقد اقتصر فقط علي الشأن الخليجي، وما تم تحقيقه عبر عام من عمل المجلس، كما كان مهتما بصورة واضحة، ببعض القضايا ذات الأهمية القصوي لدول الخليج، في مقدمتها العلاقات مع إيران .مع تزايد الشعور الخليجي بالخطر، نتيجة تدخل إيران في الشأن الخليجي، بصفة عامة وفي بعض الدول مثل البحرين والسعودية بصفة خاصة .وهناك الأزمة السورية، التي حظيت باهتمام مماثل، خاصة مع استمرار نزيف الدم هناك، ومع رؤية إستراتيجية تشير إلي أن سقوط النظام السوري، يخصم من النفوذ والقوة الإيرانية في المنطقة العربية، والخليج بصفة خاصة . ويبدو أن هناك رغبة من دول الخليج، علي التعامل بشكل ثنائي مع مصر، في ظل وجود خطط لدعم الاقتصاد المصري، من السعودية وقطر. مع الاعتراف بوجود خلافات مع دول آخري، مثل الإمارات، والتي لم تعد خافية علي احد. أما زيارة قطر، فكانت للمشاركة في مؤتمر دعي إليه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو احد المراكز البحثية، والذي لم يمر علي إنشائه، سوي أعوام قليلة. ولكنه ولد عملاقا. والفضل يعود إلي كتلة النشاط، وصاحب القدرات البحثية المتميزة، د. عزمي بشارة عضو الكنيست الإسرائيلي السابق. الذي خرج من تل أبيب، بعد أن تم رفع الحصانة عنه. والسعي إلي تقديمه للمحاكمة، بتهم من قبيل وجود علاقات له مع حماس، ومع السلطة الفلسطينية . وهو أمر طبيعي باعتبار الرجل من عرب 48. وخرج بشارة إلي الدوحة .التي احتضنته، ووفرت له كل الإمكانيات للعمل، و قد استطاع د. عزمي بشارة أن يجمع عشرات الباحثين، وأساتذة الجامعات والسياسيين من مختلف الدول العربية والأجنبية، وعدد من كبار المسئولين الحاليين والسابقين، ليناقشوا خلال أيام المؤتمر "التحولات جيوستراتيجية في سياق الثورات العربية". ولعل أول الملاحظات، التي سجلتها عن الزيارتين المؤتمر، مكان انعقاده في قطر، فقد تكون هي البلد الوحيد المهتم بمثل هذه القضية .وذلك الموضوع حتي من بين الدول التي وصلها قطار ربيع الثورات العربية .سواء مصر أو تونس أو حتي ليبيا، فهي غارقة في انقسام داخلي، وحالة احتقان سياسيي، وخلافات حول كل القضايا تقريبا .وفي المقدمة صياغة العلاقة بين القوي السياسية، والتي شاركت في إنجاح الثورات، أما بقية الدول فقد تباينت مواقفها، بصورة كبيرة .مابين السعي إلي تحصين نفسها، وحماية الداخل من اندلاع الثورات، وهو حق للأنظمة .أو التأمر لإجهاض تجارب دول الربيع العربي .في خطوة استباقيه اما قطر فقد كانت الاستثناء الوحيد في هذا المجال .فقد أعلنت منذ الساعات الأولي، دعم مطالب الجماهير العربية، في الحرية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية. واعتبرتها مطالب شرعية، دون أن تخضع مواقفها لحساب المكسب والخسارة .وتحملت في سبيل ذلك الموقف الكثير من حملات تشويه. ومن بعض القوي الداخلية في عدد من الدول العربية، التي تضررت مصالحها بعد سقوط الأنظمة السابقة .وهو ما أشار إليه ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في اللقاء الذي تم علي هامش المؤتمر، مع عدد من كبار الصحفيين، علي هامش أعمال المؤتمر. وقال أن قطر تدعم الثورات العربية، من منطلق إنساني، دون التدخل في اختيار من يمثل الشعوب. وقال إن الثورات العربية في صالح الشعوب علي المدي البعيد .حتي لو حدث تعثر في المراحل الانتقالية . وقد رد ولي العهد القطري علي استفسارات، كلها تتعلق بتدخل قطر في الشئون الداخلية لدول الربيع العربي، خاصة مصر. فأكد أن الدوحة تحصر علاقاتها علي الحكومات، كم استمرت الاتهامات حتي وصلت إلي التدخل في الشأن الكويتي. فأعاد الحاضرين إلي تصريحات للشيخ صباح الأحمد، ورئيس الوزراء الكويتي نفا فيها تلك الأنباء. ونتوقف عند الموضوع الأساسي للمقال، ،وأقول لقد كانت كل المناقشات والحوارات الدائرة في البحرين وخلال أعمال المؤتمر،، تبدأ بثورات الربيع العربي ولكنها تتوقف عند مصر. وهي الملاحظة التي أبداها لي الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، وهو احد القيادات الإعلامية الشابة، التي أتوقع لها مزيد من النجاح والتقدم .وقال لي إن الجميع يتابع الوضع في مصر، بكل تفاصيله اليومية، كافة التطورات، والخلافات وتباين الآراء، والمواقف بين القوي السياسية .، والأمر يتعلق بالدور التاريخي والقيمة الحضارية لمصر، واليقين لدي الجميع، بأن نجاح تجربة الثورة، ونتائجها مرهون بنجاح كل ربيع الثورات العربية .ودخول المنطقة إلي أفاق جديدة من الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية .وإخفاقها لا قدر الله معناه انتكاسة غير معروفة النتائج لكل المنطقة.