عدت إلي القاهرة بعد أيام عشرة أمضيتها في إمارة الشارقة مدعواً من الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي، بمناسبة حلول مصر ضيف الشرف علي معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الحادية والثلاثين. كانت الدعوة لستة أيام، ثم امتدت إلي نهاية المعرض ليتمكن الإعلاميون القادمون من مختلف أرجاء وطننا العربي من رصد الطفرة التي حققها هذا المعرض في زمن قياسي مما جعله يبرز بين معارض الكتاب العربية بحيويته ودقة تنظيمه واتساع انشطته وحرصه علي التفاعل مع الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة، وكذا لتأكيده علي أن إمارة الشارقة جديرة بأن تظل العاصمة الثقافية لدولة الإمارات، تماماً مثلما فاس هي العاصمة العلمية للمملكة المغربية. ولعل هذا ما جعل حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي يحرص علي أن يزف إلينا في حفل الافتتاح خبرين لهما دلالة بالغة؛ أولهما :صدور مرسوم إنشاء منطقة حرة للنشر في إمارته لانعاش صناعة الكتاب العربي التي تهددها مخاطر جسام، بما تحدثه من تخفيض في تكلفة الطباعة، وإسهام في ترويج هذه السلعة الثقافية التي لاتزال تعتبر الوعاء الرئيس للمعرفة حتي في ظل شراسة المنافسة الرقمية، وضراوة الشبكة العنكبوتية. وثانيهما: نجاح المساعي المبذولة لانضمام دولة الإمارات إلي اتحاد الناشرين الدولي كعضو كامل العضوية. وقد ذهبت هذه الحالة من الحيوية ببعض رواد المعرض إلي القول بأنه يصل إلي مستوي معرض فرانكفورت. وهنا يجب توضيح أن معرض فرانكفورت، في المقام الأول، معرض مهني لتبادل حقوق التأليف والترجمة، قبل أن يكون سوقاً للكتاب. ومن المؤكد أن أحمد بن ركاض العامري، المدير الحالي لمعرض الشارقة يتفق معي في هذا لأن القيمة الحقيقية لمعرض الشارقة تتجسد فيما أسلفت من حيوية، واتساع، وطفرة في عدد دور النشر والدول العارضة، وفي اقبال الرواد، وارتفاع أرقام المبيعات في مقابل تراجعها في معارض دولية أخري. وقد أسعدتني كثيراً هذه الحيوية التي شهدتها الأجنحة، سواء خلال ساعات الصباح، عندما كان يتوافد علي المعرض تلاميذ مدارس الشارقة والإمارات الأخري بالمئات بصحبة معلميهم لغرس حب الكتاب فيهم منذ الصغر، أو في الفترة المسائية التي كانت تزدحم بالعائلات التي تتجول وتعود بأكثر العناوين قدرة علي لفت الانتباه إليها سواء لجرأتها أو لجاذبية أغلفتها للعين، وكثيراً ما لعبت خبرة الناشر وبراعة البائع اليقظان في جناحه دوراً خطيراً في اقناع رواد المعرض، والنساء منهم علي وجه الخصوص، باقتناء كتب لم تكن تخطر لهن علي بال، في حين يضرب الناشر الذي لايفارق مقعده كفاً بكف وهو يندب حظه العاثر، علي رأي خبراء تسويق الكتاب المصري الذين التقيتهم في المعرض: محمد خضر، ومحمد سعد، وعلي سالم، سمير الشاهد، ومحمد الدمرداش. وقد لاحظت أن بعض ناشرينا المصريين لجأوا إلي الرهان علي كاتبات من الخليج، فطبعوا لهن أحدث كتبهن فحققت أرقام مبيعات خيالية من أول يوم بسبب دأبهن وإلحاح الفضائيات. وإن جاءت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي لتحقق أعلي المبيعات في مجال الرواية، لدرجة أن الجمهور تكدس علي حفلات توقيع روايتها الأخيرة "الأسود يليق بك" في طوابير لاتعرف أين تنتهي! ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن فرقة الأقصر للفنون الشعبية نجحت في اجتذاب رواد المعرض كل ليلة، وهو ما لم يتحقق لمعرض الفن التشكيلي، علي الرغم من أنه ضم لوحات لفنانين بارزين. نجيب محفوظ كان حضوره مهيمناً سواء في أجنحة بيع الكتب أو داخل "مقهي ريش" عبر شهادات الروائيين والقصاصين، أو في هذه الندوة المهمة التي كان فرسانها: بهاء طاهر، والدكتور حمدي السكوت والدكتور أحمد الزعبي وعبدالفتاح صبري. وأتصور أن هذه الخدمات العديدة التي وفرتها إدارة معرض الشارقة لرواده المتمثلة في: الخرائط واللوحات الارشادية، والمتابعة الفورية لما يطرأ علي البرامج من تعديل يجعل الدكتور أحمد مجاهد، رئيس هيئة الكتاب، يفكر ويفكر في الصورة التي سيخرج بها معرض القاهرة الدولي للكتاب 2013.