إذا ما أخذنا برد الفعل الإنساني الطبيعي والتلقائي، فلابد أن نبادر بالقول، بأن قلوب المصريين جميعا قد انخلعت من مكانها، وتوقفت عن النبض داخل الصدور، لحظة سماعهم كارثة قطار أسيوط، الذي فرم حافلة المعهد الأزهري »نور الإسلام« المكتظة بالأطفال من تلاميذ المعهد، وحولهم في لحظة إلي أشلاء ممزقة وبقايا دماء متناثرة علي القضبان.. الكارثة البشعة راح ضحيتها خمسون طفلا بريئا، فاضت أرواحهم الطاهرة تحت عجلات القطار، لتضع نهاية مأساوية لأحلامهم الغضة وتطلعاتهم المتفائلة في غد أفضل، وتنهي في ذات اللحظة آمال وطموحات عظام كانت تراود أهلهم بخصوصهم، وكانوا يعلقونها عليهم بوصفهم سندهم وجواز مرورهم للمستقبل.. ورغم فداحة الكارثة، وجسامة الحدث، والإحساس العميق بالألم والحزن، والادراك الواعي بأن شيئا مهما عظم لن يعوض آباء وأمهات وأقارب أطفالنا الصغار عنهم، إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول بكل الوضوح إننا أمام جريمة إهمال جسيم، تكررت صورها، وتعددت أشكالها في مواقع كثيرة وخاصة جرائم الأسفلت وحوادث الطرق بشكل عام، وكوارث القطارات علي وجه الخصوص.. ورغم تكرار الصور، وتعدد الأشكال، في جريمة الإهمال الجسيم، إلا أن النتيجة تكون واحدة في كل الأحيان، وهي سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء، وإذهاق المزيد من الأرواح، وفي كل مرة ينتابنا الحزن والألم، وتشتعل النفوس بالغضب، وتتعالي الأصوات مطالبة بوضع حد لجرائم الإهمال القاتل، ثم تهدأ الأمور تدريجيا بمرور الوقت، ونغط في نوم عميق،..، لنستيقظ علي كارثة جديدة وضحايا جدد، لنعيد الكرة مرة أخري،...، وهو ما لم يعد مقبولا علي الإطلاق.. ولكن بالرغم من هذا كله، لابد أن نقول بصراحة ان هناك مؤشرات تدل علي اختلاف الأمر هذه المرة حيث سارع وزير النقل بإعلان مسئوليته السياسية عن الكارثة، وقدم استقالته، كما قدم رئيس هيئة السكك الحديدية استقالته، وتم تحويله للتحقيق،...، وهذه بادرة مختلفة عن السابق، تستحق التسجيل، حيث لم يقتصر الأمر علي تحميل عامل المزلقان كل المسئولية بمفرده، رغم تقصيره الواضح.. والآن لا يسعنا غير تقديم العزاء لأسر الضحايا الأبرياء وندعو الله عز وجل أن يمنحهم الصبر.