ليست العبرة في دول العالم الثالث بالنصوص الدستورية، ولكن العبرة بتفعيل هذه النصوص، فالدستور المصري الذي كان معمولاً به أيام مبارك كان يحافظ علي الحرية والخصوصية للمواطن المصري، ولكنه عند التطبيق استدعي قوانين الطوارئ، بل استدعي عصابات من البلطجية، كانت وظيفة هذه التنظيمات هي إفساد الحياة السياسية فوق ما هي فاسدة اصلا ووصل الأمر إلي ان بعض ضباط الداخلية كانوا يديرون هذه التشكيلات. في عام 5002 احدث مبارك تغييرات فصلها تفصيلا واجازها مجلس الشعب كي تليق علي مقاس جمال مبارك فقط، ومع ذلك ذهب نظام مبارك ودستوره وابنه إلي السجن وسقطت دولته لانها كانت تشخصن العمل السياسي تفصيلا علي المقاس دون ادني احساس بالمسئولية القومية. وها نحن اليوم نشهد هزلا وهزالا وبلطجة وكأن ابا زيد ما غزيت، فالشعب ثار من اجل الخبز والحرية والكرامة الإنسانية وها هو خبزنا لم يتحسن وفي الافق كلام عن رفع الدعم وها هي الحرية يتم تجزئتها كل فصيل يحاول أن يضمن في الدستور حريته الخاصة وإن يطيح بحرية الآخرين. أما عن البلطجة فلم تعد في تشكيلات عصابية يتم استدعاؤها سراً ولكنها تتحرك في مظاهرات يتم الحشد لها جهاراً نهاراً تهدد وتلعن وتكفر الفصائل الاخري وهو ما يضع مشهداً ختاميا مأساويا للثورة، وهو أيضا ما يكشف عمق تغلغل الاستبداد في نفوسنا كأننا لا نستطيع ان نبني وطناً إلا في ظلال دستور مستبدا وحاكم متسلط فالحرية في أبسط معانيها قد فرغت البشرية من تعريفها منذ القرن الثامن عشر وصاغها ڤولتير في أوجز عبارة »قد اختلف معك ولكني علي استعداد لأن ادفع حياتي ثمنا لحقك في ابداء رأيك« ونواصل بعد غد بإذن الله استكمال المأساة