أحمد عز الدىن بعد هزيمة 1967 ظهرت نكتة تقول إن عبد الناصر كان جالسًا فقال "آي!"، فقال من حوله: سلامتك ياريس، فرد قائلا: "أبدًا.. كان فيه غزة.. وراحت". والمقصود طبعًا هو احتلال قطاع غزة مع سيناء بعد الهزيمة. ويبدو أن هذه "الغزة" لم تصب عبد الناصر وحده، بل أصابت مصريين آخرين، بعضهم كان يعاني من الشعوبية في عهد السادات، فكره جنس الفلسطينيين، وتمني أن تنشق الأرض لتبتلعهم أو تتحرك القارات فيفصلنا عنهم بحر لجيّ. وفي عهد مبارك أصيب البعض برهاب الإسلام "إسلاموفوبيا" فكره غزة علي وجه الخصوص، وهي التي شهدت ظهور حركات إسلامية مثل حماس والجهاد الإسلامي، ثم ازداد كره غزة بعد أن تولت حماس إدارة الحكم فيها. أما مرسي، فقد اعتبر البعض أن غزة تمثل نقطة ضعف عنده نظرًا للانتماء الفكري المشترك بينه وبين حماس، وكلما جاءت سيرة غزة علي لسانه "تكهرب" البعض وانتفض مهاجما. لماذا يجب علي مصر دعم غزة؟ قطاع غزة عبارة عن شريط ضيق .. يحيط به الكيان الصهيوني والبحر الأبيض المتوسط من ثلاثة جوانب، ما عدا "فتحة" صغيرة من ناحية مصر.. وفي مساحة 360 كم2 ينحشر 1.8 مليون بني آدم، تصل نسبة البطالة بينهم إلي 80 ٪. وهو يخضع لحصار خانق، برًا وبحرًا ساهمت فيه مصر قبل ثورة يناير، وتحاول الآن أن تنهي ذلك الحصار من جانبها. من النخوة والمروءة أن نساعد الضعيف لا أن نضغط عليه، خاصة إذا كانت تربطنا بها صلات الدين واللغة والجوار والقربي والنسب، وخاصة أيضًا إذا كان من يمارس الحصار طرفٌ معتدٍ يفعل ذلك دون حق، وخاصة - ثالثًا- لأن مصر تتحمل مسئولية تاريخية تجاه غزة باعتبارها كانت تدير القطاع حتي "سلمته" لإسرائيل في حرب 67 . ومن مصلحة الأمن القومي المصري ألا يكون علي حدودنا برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت. وأظن أن جزءًا من التطرف الموجود في سيناء نشأ في مناخ المعاناة التي يعيشها الجيران الغزاوية واشتراك مصر في حصارهم. وحين قررت مصر تزويد غزة بجزء من احتياجاتها من الكهرباء استنكر البعض أن نكون في مصر نعاني من نقص الكهرباء ثم نعطيها لغزة، وقالوا "الزيت إن احتاجه البيت حُرم علي الجامع"، حتي أنه أقيمت دعوي قضائية أمام محكمة القضاء الإداري تطالب بإلغاء قرار تصدير الكهرباء إلي قطاع غزة، لأن القرار جاء مجحفا بحقوق المصريين ويضر بالاقتصاد المصري!، فكيف نصدر الكهرباء ونحن في حاجة لها؟ ولهؤلاء أقول إن عليكم أن تستنكروا بالمثل حصول مصر علي المعونة الأمريكية لأن أمريكا هي أكبر دولة مدينة في العالم، وهي أولي بزيتها من جامع مصر، وأن تردوا مشكورين معونة الاتحاد الأوروبي الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وأن تطالبوا الأممالمتحدة بتجريم منح المعونات الخارجية إلا بعد التأكد من أن الدولة المانحة قد أعطت كل مواطن فيها حاجته وزيادة! المعونات الخارجية أداة مهمة من أدوات السياسة الخارجية، بل جزء من بنيانها وإحدي أدوات تحقيق أهدافها لكسب ود الشعوب وتأييد الحكومات ولا ينبغي التخلي عنها حتي لو كانت الدولة المانحة مدينة. لا تسمح إسرائيل بدخول كميات الوقود التي تكفي لتشغيل ماكينات الحياة في غزة، وفي غزة محطة وحيدة لتوليد الكهرباء تعمل بالسولار وقدرتها 140 ميجاوات وبسبب نقص الوقود ظهرت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لفترات وصلت إلي 16 ساعة يوميا، وإن وجد الغزاويون البنزين ليديروا المولدات الكهربائية الصغيرة التي اشتروها فإنهم لن يجدوا الأمان، فقد سقط مئات القتلي والجرحي أثناء التعامل مع الوقود سريع الاشتعال، أو بسبب مشكلات التهوية وتصريف الدخان العادم. الكهرباء التي تصدرها مصر لغزة في حدود 35 ميجاوات، تعادل ربما استهلاك مصنع واحد أو مصنعين في مصر، بينما في مصر 218 محطة لتوليد الكهرباء تنتج 18 جيجاوات أي 18.000 ميجاوات، أي أن ما يذهب لغزة نحو نصف في الألف مما تنتجه مصر. أما العجز في الشبكة المصرية فمقداره 5.000 ميحاوات، أي أننا لو لم نعط غزة شيئًا فلن يحل ذلك مشكلة عجز الكهرباء في مصر.