رضا محمود " الصحة تاج علي رؤوس الأصحاء لايراه إلا المرضي"..تعودنا أن نتذكرهذه االمقولة أو المثل عندما يمر أحدنا بأزمة صحية أو يبتلي هو أو شخص عزيز عليه بمرض عفانا الله وإياكم من كل شر وسوء . وقد فرض موضوع الصحة والعلاج نفسه علي القلم بعد أن دار حوار بيني وبين أحد الأصدقاء الأطباء الذي أعرب لي عن قلقه من اضطرار كثيرين ممن يتجهون لمعالجة مرضاهم بأحد المستشفيات الخاصة ألا يكملوا العلاج بالمستشفي الخاص ونقله إلي أي مستشفي حكومي حتي لو كان ذلك علي حساب صحة المريض.. قلق صديقي الطبيب ليس لخوفه أن ينقص ذلك من دخله لأن الرجل بحمد الله عنده ما يكفيه، ولكن حزنه علي أنه حتي الأسر المتوسطة التي كان باستطاعتها تدبير تكلفة علاج مرضاها بأي طريقة حتي لو باعت ما تملك لم تعد قادرة علي تحمل نفقات العلاج بالمستشفيات الخاصة ويضطرون إلي عدم تكملة العلاج المكلف جدا ونقل المريض إلي أي مستشفي حكومي والسلام. وللأسف فإنه حتي إذا وجد سريرا في أي مستشفي حكومي فإنه فإن أهل المريض- كما أخبرني صديقي الطبيب- يشترون كل أدوات العلاج والأدوية المطلوبة علي حسابهم الخاص، لأن ميزانية المستشفيات لم تعد تكفي حتي لشراء الشاش والقطن..صديقي الطبيب لم يكن من المضربين حرصا منه علي المرضي ومع هذا فإنه يري أن أوضاع القطاع الطبي قد بلغت الحد الذي لا يليق بحكومة جاءت بعد ثورة تتحدث عن احترام كرامة المواطن..وأنا أتفق معه في أنه بات من الضروري إعطاء الأولوية القصوي للصحة والعلاج حتي قبل التعليم إن كنا فعلا نتحدث عن مصر جديدة منتجة ومؤثرة، لأنه لايستطيع شعب مريض معتل أن يعطي الإنتاج المطلوب وهو يري الذل إذا أصابه المرض. لقد أصبحنا نشعر أمام ما نراه من زحام رهيب علي أبواب المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة وأيضا المستشفيات التي تتولي إدارتها المساجد والكنائس وكأن الشعب كله بأغنيائه وفقرائه قد تحول إلي شعب معتل، الأسوأ من ذلك أن كثيرين أصبحوا مكرهين علي تحمل معاناة المرض في أي مكان حتي ولو في الشارع لعدم وجود منظومة صحية توفرها الدولة، وتضمن لهم الرعاية الذي يحتاجونه دون أن يتعرضوا للبهدلة، في مقابل عجز أغلب المواطنين- بغض النظر عن الطبقة الي ينتمون إليها- عن تحمل نفقات العلاج الباهظة في أية مستشفي خاصة..وبالمناسبة فإنني أكرر هنا ما طالبت به منذ فترة من ضرورة أن تقدم الدولة دعما خاصا للمستشفيات التي ترعاها المساجد والكنائس والتي تلعب دورا محترما في منظومة العلاج . وأتصور أن الأطباء لم يلجأوا إلي الإضراب إلا بعد أن فاض بهم الكيل،وهم يعانون من مصاريف حياة صعبة لا تحتمل خاصة الأطباء الجدد وصغار السن منهم، فضلا عن أنهم يشعرون داخل المستشفيات الحكومية بالعجز وهم لايستطيعون توفير الحد الأدني من العلاج المقبول للمرضي،حتي بلغ الأمر إلي مصادمات ومشاحنات مع المرضي وأهاليهم الذين يتهمون الأطباء بالتقصير في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أن الأطباء لاحول لهم ولا قوة. يا سادة..تاج الصحة أصبح بالفعل مفقودا ولم يعد أحد يراه علي رأس أحد، بعد أن فاقت تكلفة العلاج الحقيقي الناجع ما لدي المصريين من إمكانيات، وصدقوني أنه لا تستطيع أي حكومة أن تتحرك خطوة واحدة للأمام بمثل هذا الشعب المعتل االعاجز.. قضية العلاج أخطر مما نتصور، وأصعب من أن تؤجل.