كل المحاولات المبذولة لانقاذ إعلام الدولة من الانهيار لن يكتب لها النجاح رغم صدق النوايا، لأن هذه الجهود تتجه لعلاج أعراض المرض ولا تتعامل مع »أصل الداء«. هذا الداء العضال والمرض الخبيث هو »الاعلان« فقد احكم الاعلان سيطرته علي الاعلام فجعله مسخا وافقده الحد الأدني من المصاقية. وإذا كان الاعلام الخاص له عذره في الاستسلام لغواية الاعلان لان مالكي الاعلام الخاص يتعاملون مع الاعلام باعتباره »تجارة« تدر عليهم ربحا ماديا مباشرا من عائدات الاعلان، فما هو مبرر اعلام الدولة المفترض انه »رسالة« تتحمل خزينة الدولة أعباء نفقاته؟! لقد آن الأوان لانقاذ اعلام الدولة بقرارات جريئة ومدركة لأهمية رسالة اعلام الدولة. والبداية الصحيحة تتجه مباشرة لانتاج وبث مواد اعلامية وثقافية وترفيهية متميزة وجذابة ووضع »خريطة« البرنامج اليومي لكل قناة إذاعية أو تليفزيونية بواسطة خبراء يعرفون قواعد وضع »الخريطة« التي تراعي التنوع وأوقات البث التي تناسب المستمع أو المشاهد المستهدف مستنده إلي معرفة موثوقة بعادات الاستماع والمشاهدة لدي مختلف طوائف الشعب. وإذا قال قائل ان هذه بديهية يعرفها المسئولون بالاعلام فهذه حقيقة. إلا ان هذه المعرفة شئ وترجمتها علي أرض الواقع شئ آخر فمسئولو »الاعلان« اصبحوا اصحاب الكلمة الاولي والأخيرة فيما يذاع وما لا يذاع، وفي تحديد مواعيد بث البرامج بل وفي تحديد مقدمي البرامج، وفي إلغاء المواد التي يتصورون بجهل فاضحة.. انها مواد طاردة للمستمعين والمشاهدين وقد وضع هؤلاء قواعدهم الخاصة التي تؤكد ان المواد الثقافية بكل ألوانها العلمية والأدبية والتاريخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، هذه كلها من وجهة نظر رجال »الاعلان« مواد »دمها تقيل« وطاردة للمستمع والمشاهد. ولهذا اختفت هذه المواد بالغة الأهمية أو القي بها في ساعات البث »الميتة«. وأؤكد ان عودة هذه المواد المحترمة إلي اثير الإذاعة وشاشات التليفزيون سوف يمكن الاذاعة والتليفزيون من استعادة ثقة الجماهير واحترامهم، وان اعداد »خريطة« برامج يومية منوعة ومتوازنة تراعي ما سبق واشرت إليه من توفير المادة المناسبة في الوقت المناسب للمشاهد والمستمع المستهدف، مثل هذه الخريطة كفيلة بجذب كثافة استماع ومشاهدة ممتازة وقد يستغرق تحقيق ذلك - أي كسب ثقة المستمع والمشاهد وجذبه للمتابعة- قد يستغرق هذا بعض الوقت، لكنني أؤكد بكل الثقة ان النتيجة مضمونة تماما، وعندها يفرض »الاعلام« شروطه علي »الاعلان« وليس العكس. اعرف ان اعلام القطاع الخاص سيتردد كثيرا في الانصات لمثل هذه النصيحة لانه يخشي ان يفقد بعض عائدات الاعلان لان الربح هدفه، أما »اعلام الدولة« فليس له أي عذر إذا لم يبادر باتخاذ خطوات جادة وعملية لاستعادة ثقة مستمعيه ومشاهديه بتنوع مادته وجودتها واختيار مواعيد البث المناسب للمستمع والمشاهد المستهدف.