د. سمية سعد الدين تتسارع أيام الشهر الفضيل.. ترحل عنا في هدوء وسماحة بعد أن أخذتنا برفق إلي مدارات الإيمان وحلقت بنا في سماوات العبادة.. ونبهت أرواحنا إلي لذة الاستغراق في عبادة الواحد الأحد المعبود.. وشغفت قلوبنا بحب الرحمن الرحيم.. وعلقت أبصارنا بالستّار والغفار للذنوب.. وبعد أن ركزت أحلامنا علي هبات الوهاب المعطي المستجيب لطلبنا في بلوغ جنته.. والارتواء من يد حبيبه.. والفوز بلذة النظر إلي وجهه الكريم .. نتلفت حولنا فيما تبقي من شهرنا فلا نجد أفضل من صُحبة كتابه الكريم.. ومن الالتزام بالدعاء للعفو الكريم ومن التماس الطريق الذي سنه لنا الرسول الكريم ومن تقديم أعمالنا راغبين في الشفاعة من أجل العتق الكريم.. نحتسب أعمالنا عند صاحب الفضل.. ونتمني عليه أن يثقّل موازيننا من باب الرحمة.. وأن يتسامح معنا من باب المقدرة.. وأن يستجيب لنا من باب الوعد.. وأن يستبعدنا من العذاب ومن باب الوعيد وأن يلقانا من باب السلام.. وأن يوفدنا إليه من باب الإحسان.. وأن يستقبلنا في جنته من باب العطاء.. وأن يفيض علينا من باب العز.. وأن يمنحنا الفردوس الأعلي من باب المُلك.. وأن يسبغ علينا نعم الدنيا والآخرة من باب الغني المُغني .. نتطلع للإمساك بكل خير تبقي لنا من الشهر الموعود.. تنادينا المزيد من صلوات التراويح والراحة والإزاحة عن النفس لكل مايعكر صفوها ويؤرق ليلها.. فتُرفع الأيادي بالدعاء.. وتسيل دموع الرجاء.. وتتلامس الروح مع النداء .. وترق القلوب من العبودية.. وتزهو في الإنسان روح الإنسان.. وخُلق الإنسان.. ويتسامي في الأنحاء جمال وتفرد الإنسانية.. تتساءل النفس في صفو الليل هل مازالت هناك من بقية من رحمة وغفران وعتق؟ هل مازال في الإمكان فرصة للتوبة والترقي؟ هل مازالت أيام الشهر الفضيل تعدُنا بالمزيد من الرحمة؟ هل تبشرنا لياليه بالمزيد من العتق؟ هل يُمنينا رسولنا وشفيعنا بالمزيد من بلوغ الطاعة للمعبود والانصياع في عشق الخالق؟ تأتي الإجابة والاستجابة في انفراجة ليل الشهر الفضيل.. في أواخر أيامه ولياليه تبشرنا بفضل حسناتها الكرام.. تخبئ لنا بين لياليها ليلة قدر خير من ألف شهر.. تُصفد فيها شياطين الأنس والجن.. وتُفتح فيها لنا أبواب السماء.. وتتنزل علينا فيها ملائكة الرحمة.. فتهلل ابتهاجات الغفران.. وتتهادي تفاريج الرحمة.. وتنتاب المؤمنين راحة أهل الجنة.. وتنساب دموع الفرج.. ويُدخلنا ربنا مُدخل صدق.. ويُهدينا صدقة الصيام.. ويغمُرنا بجزاء خير الأفعال.. وثواب الصيام والقيام والزكاة والصبر والعطاء.. يعطينا ثوابا غير مسبوق.. وفرحة غير محدودة.. ويبشرنا بحلو المقام لنا .. وبمحبة الرسول لفعلنا.. وبرضا الإله عن آدائنا.. وبأن مالك المُلك قد تقبل منا.. وتباهي بين ملائكته بحُسن إيماننا.. وبأنه تجاوز عن أخطائنا.. وأمر بعتقنا .. فتزغرد السماء فرحة بنا.. وينصرف الشهر الكريم بعد أن اطمأن إلي أنه فتح أبواب الرضا الإلهي أمامنا.. وجعل الجنة مقام الفوز لنا ومرافقة نبينا جواز مرورنا.. وكلل جهدنا.. وتقبل صيامنا.. وأجاز عتقنا.. ول"يد" أرحم الراحمين سلم أمرنا.. مسك الكلام.. ياالله.. مادمت قدرت لنا ليلة قدرك.. فامنحنا فيها غير منقوصين كُل فضلك.. وادخلنا بفضل إكرامك لنا بها في فردوس جنتك.. وامنن عليها فينا بكل نعمتك.. ياالله .