طوفان من الأحداث يدفعنا إلي الحيرة وقد يؤدي بنا إلي تخبط وابتعاد عن التركيز، خاصة أن المنطقة العربية من حولنا لاتزال تعاني من عدم الاستقرار وضباب يحول دون الرؤية الواضحة. وقد استعدت كل ما جري أمام عيني خلال العامين المنصرمين فلم أر غير هذا الاضطراب وآثاره المعهودة حين يفتقد الدليل وتضل الأقدام الطريق الصحيح. فمصر ليست بمعزل عما يجري في السودان من أحداث جسام أرجح أنها ستنتهي إلي ما هو أسوأ من التقسيم، مادامت هناك أيدٍ قذرة تريد للسودان أن يكون خنجراً في خصر أي مشروع عربي أو إسلامي يلم شمل الأمة وينهض بها، كما يراد أيضاً أن يكون الجنوب عمقاً استراتيجياً للدولة العبرية يمكّنها من إجهاض أي محاولة للالتئام والتلاحم العربي، بل يجعلها تتمدد في افريقيا بسهولة وحرية مطلقة. ولا يستطيع أحد أن ينكر خطورة ما يجري في سوريا، القوة المهمة جداً مهما وُصف النظام السوري، ومهما كانت النظرة إليه والآراء من حوله، فإن الأحداث هناك تؤكد أن هذه القوة سوف تضعف وقد تنهار في أي لحظة كما انهارت القوة العراقية من قبل ولسوف ينتهي الأمر في النهاية لصالح إسرائيل والامبريالية العالمية الجديدة التي تدعم الكيان الصهيوني وتآزره بطرق متعددة، فإن استطاعت الإجهاز علي القوة السورية، فإنه من اليسير عليهم الاستمرار في تحييد مصر، لأنها ستكون القوة الوحيدة في المنطقة بلا أعماق وحدود استراتيجية تمكن لها البقاء علي العهد في حماية ما كان يعرف بالأمن القومي العربي. ومن المؤلم أن تكون هذه هي الحقيقة وعلي الجانب الآخر يقوم بعض المروجين الذين دائماً ما يعلو صوتهم قبل حدوث المصائب، يقومون بتحذير الشعوب العربية التي ثارت ودفعت من دمائها ثمناً للحرية، فنجد أنفسنا أمام إعادة لإنتاج أنظمة تمارس نفس أساليب الأنظمة السابقة ولكن علي الطريقة الأمريكية، ولا أستنكف أن أسوق في كل مرة الدرس الفلسطيني الذي قسم المقاومة وجعل لها رأسين يتناطحان بدلاً من أن تكون رأس حربة واحدة في مواجهة الكيان العبري الاستيطاني الغاشم، وصار أبعد أمل الآن أن تتم المصالحة الفلسطينية لوقف تدهور الأمور في أرضنا المحتلة، خاصة المهازل والجرائم التي تجري في القدس تحت سمع وبصر العالم، ألم يكن ذلك نتاج الديمقراطية الشرعية التي دافعت عنها يوماً »كونداليزا رايس« مهندسة الفوضي الخلاقة و»سايكس بيكو« الجديدة، أعني تعبيرها المعروف »الشرق الأوسط الجديد«. إن التغيرات التي حدثت في ليبيا وثورتها التي تحولت إلي بحور من الدم، لتثير أيضاً نفس علامات الاستفهام وتجعلنا نتساءل متي تتعافي ليبيا، وهل يمكن أن تتمزق هي الأخري إلي ولايات ليبية تفت من عضد الأمة العربية وتضعف عمقها الاستراتيجي، وبنفس المنطق الذي كنا نسأل إبان غزو العراق لمن بترول العراق والآن لمن بترول ليبيا النفيس؟! إنها أطراف الأمة العربية تتآكل تباعاً ولا أحد يعرف بالضبط هل يستعيد بلد كاليمن الذي كان سعيداً عافيته قريباً أم ان الأمر سيبقي معلقاً حتي تستقر الأمور للدولة العبرية ويستتب لها الهيمنة في المنطقة، ولست متفائلاً أن تأتي نجدة في وقت قريب لإنقاذ العالم العربي من التمزق الحاصل والانفلات الأمني المتزامن والمتشابه في كل دول الربيع العربي التي ماجت بالثورات وماتزال الأرض تميد من تحت الشعوب فلم تستقر دولة وحيدة حتي الآن بما فيها مصر. إننا بحاجة إلي معجزة تنقذ هذه الأمة العربية من التشرذم والوهن الذي أصابها وأخذ ثوراتها العظيمة إلي طريق الفوضي التي بشر بها فريق التطرف الأصولي والذي عبر عن المسيحية الصهيونية فكراً وأداء بقيادة »هينتجتون« بكتاباته ويلخصها كتاب »صدام الحضارات« وكونداليزا رايس الناقلة لهذه الأفكار إلي دماغ الإدارة الأمريكية السابقة متمثلة في »بوش« الابن و»ديك تشيني«. وقد تكون النوايا المبيتة قد وجدت في هذه الثورات العربية فرصة لإشاعة الفوضي الخلاقة التي ستعيد لهم القدرة علي السيطرة واستعمار العالم العربي بشكل جديد لاستغلال ثرواته إلي آخر قطرة نفط. إنني أري التحديات تطل برأسها من كل جانب، بل إن الفتن التي تخرج من تحت جلد الأمة تجعلنا نتوجس خيفة، وتجعلنا أيضاً نتشكك في مصداقية الإدارة الأمريكية التي جاءتنا بنفس المنطق القديم، فإرضاء إسرائيل هو حجر الزاوية لكي يستمر الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، من أجل ذلك لن تدع إسرائيل وأمريكا الربيع العربي ربيعاً كما تتمناه الشعوب العربية. أحداث دهشور أحداث دهشور قريبة جداً من الأحداث التي اندلعت وصارت طائفية بفعل المتربصين بنا الدوائر، وهي متكررة وحتي هذه اللحظة لم يقدم لنا أحد »دواء« ناجعاً للشفاء من هذه النوبات التي تهيئ الوطن جميعه إلي مثل الحالة التي تحدث في سوريا والعراق والسودان، فالسلاح الوحيد الذي يمكن أن يستخدمه أي عدو الآن هو إثارة نار الطائفية في مصر.. وقي الله الكنانة من شرها.