ياسر رزق الفرق كبير بين ألا ترجو نجاح مرشح رئاسي في الانتخابات وألا تتمني نجاح رئيس الجمهورية في إدارة البلاد ما جدوي الحديث عن عودة مجلس الشعب إذا كانت الانتخابات البرلمانية سوف تجري حتما بعد الاستفتاء علي الدستور الجديد؟! ليس من مصلحة الوطن ولا الرئيس ولا جماعة الإخوان.. أن يبدو رئيس الجمهورية لاعبا في فريق، لا قائدا لمنتخب أقسم الرئيس محمد مرسي بالله العظيم ثلاثا. مرة أمام المعتصمين في ميدان التحرير، إرضاء للثوار. ومرة أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا في مقرها، احتراما لأحكام الإعلان الدستوري. ومرة أمام مجلس الشعب المنحل في قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة، إرضاء لجماعة الإخوان. أشفق علي الرئيس مرسي في مسعاه الخير لجمع الشمل، ولملمة كل الفرقاء وهو يستهل فترة رئاسته كأول رئيس مدني منتخب، في مرحلة عصيبة إما أن تؤذن ببدء عصر مأمول للبلاد، أو أن ترتد بنا إلي ما وراء الوراء. غير أني أخشي من ان محاولة الرئيس لارضاء الجميع، قد تنتهي بأن لا يرضي أحدا.. وهذا آخر ما يتمناه كل مصري مخلص. للأمانة.. أقول إنني لم أعط صوتي للمرشح الدكتور مرسي، ولا بالقطع للفريق أحمد شفيق.. أبطلت صوتي في جولة الاعادة، بأن كتبت في البطاقة اسم نفس المرشح الذي اخترته في الجولة الأولي. غير ان الفرق كبير بين ألا ترجو نجاح مرشح في الانتخابات، وألا تتمني نجاح رئيس في ادارة البلاد. ففي عدم توفيق المرشح إخفاق له ولأنصاره. لكن في فشل الرئيس، خسارة للأمة. من كل قلبي أتمني كأي مصري يعشق تراب بلاده التوفيق والنجاح للرئيس مرسي في بلوغ آمال هذا الشعب المكافح، وبالأخص أبناؤه البسطاء والكادحون والغلابة. استمعت مباشرة الي الرئيس مرسي ثلاث مرات في غضون ثمان واربعين ساعة.. الأولي في لقائه برؤساء تحرير الصحف المصرية، والثانية في جامعة القاهرة بعد أدائه اليمين في مقر المحكمة الدستورية العليا، والثالثة في ساحة العروض العسكرية للمنطقة المركزية بالهايكستب. للحق كان كلامه في مجمله طيبا.. وبدت نبراته صادقة لا سيما حين كان يتحدث مرتجلا دون قراءة كلمات مكتوبة سلفا. شعرت بأنه مخلص في نواياه، لكن النوايا وحدها ليست بكافية. وفي ظني ان نجاح الرئيس مرسي في الوفاء بتعهداته للشعب والنهوض بمهمته الشاقة، يظل رهنا بقدرته هو ومعاونة الآخرين له علي اجتياز تحديات عسيرة والمفاضلة بين خيارات صعبة. :آولآ
ليس من مصلحة الوطن ولا الرئيس ولا الجيش، ان تكون علاقة رئيس الجمهورية بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة مواجهة بين خصمين يرغب كلاهما في كسر إرادة الآخر. فالرئيس هو رأس الدولة الذي اختاره المواطنون، والجيش هو جيش الشعب، المدافع عن تراب الوطن وأمنه، واعتقادي ان الاحتفال العسكري بالهايكستب، وما تضمنه من اشارات ودية متبادلة بين الرئيس والقوات المسلحة، لابد وأن يزيل أي شبح لمواجهة لا يتمناها سوي الذين يعشقون إضرام النيران وإشعال الحرائق! :ثانيا ليس من مصلحة الوطن ولا الرئيس ولا جماعة الإخوان، أن يبدو رئيس الجمهورية لاعبا في فريق، لا قائدا لمنتخب. صحيح ان الرئيس مرسي ينتمي الي جماعة الاخوان تنظيما وفكرا ومشروعا، لكنه الآن اصبح رئيسا لكل المصريين بمن فيهم من كانوا يسبقونه في الهيكل التنظيمي للجماعة، وصار حكماً بين القوي السياسية ولا يجوز أن ينحاز إلي واحدة منها علي حساب الأخري حتي لو كانت جماعة الإخوان.. إلا بالحق. وأحسب أن المسئولية هنا تقع علي قيادات الجماعة أكثر مما هي علي عاتق الرئيس. فلا يجوز الضغط علي الرئيس أدبيا بتصريحات أو مواقف او نوازع بشرية تضعه في حرج أمام الشعب أو القوي السياسية الأخري، ولا يجوز دفعه من أول لحظة إلي سداد فواتير سياسية تخصم من رصيد ثقة يريد أن ينميه مع الشعب، ولا يجوز أن يوضع في محك الاختيار بين مصلحة الجماعة وصالح الوطن. إنما لابد للإخوان ولابد للرئيس مرسي من إدراك أن الأفضل للجميع أن تكون الجماعة سنداً للرئيس علي مقعده، لا أن يكون الرئيس ظلاً للجماعة علي كرسي الرئاسة. :ثالثا الكلام الطيب والتعهدات المطمئنة التي صدرت عن الرئيس مرسي خلال الأيام الماضية، لابد ان تتحول إلي أفعال ملموسة، وأول اختبار لها هو اختياراته لفريقه الرئاسي ولرئيس الوزراء ولاعضاء الحكومة الجديدة. فإذا لم يكن الفريق الرئاسي ممثلاً لألوان الطيف السياسي والاجتماعي المصري وإذا لم يكن لأعضائه من نواب ومساعدين للرئيس اختصاصات حقيقية محددة، وإذا لم يكن رئيس الوزراء شخصية وطنية مستقلة - كما قيل - وإذا لم يتم اختيار اعضاء الحكومة علي أساس الكفاءة والهمة والمقدرة قبل الانتماء الحزبي والأيديولوجي، فلا يلومن أحد المواطنين إن تشككوا في قابلية التعهدات للتحقق. :رابعا دولة القانون التي نريد بناءها، ينبغي ألا نقوض دعائمها فالرئيس احترم الإعلان الدستوري المكمل، حينما أقسم اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، وأظن أنه لابد أن يوضح للجميع أن هذا الإعلان مؤقت لحين وضع الدستور الجديد والاستفتاء عليه في غضون ثلاثة أشهر لا غير. والرئيس أعلن التزامه بأحكام القضاء والتزامه بها، ومن ثم لست أفهم كيف يتحدث بعد ذلك عن عودة المؤسسات التشريعية إلي دورها وهو يقصد مجلس الشعب المنحل، رغم ان المحكمة الدستورية العليا قد أبطلته وأعلنت أنه منعدم منذ إنشائه. ثم ما جدوي الحديث عن عودة مجلس الشعب، إذا كانت الانتخابات البرلمانية سوف تجري بعد وضع الدستور الجديد، لاسيما إذا تغير النظام الانتخابي وإذا ألغيت نسبة العمال والفلاحين، كما يتردد في أروقة الجمعية التأسيسية؟! :خامسا من حق الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة أن يخاصم ثورة يوليو، وان يعتبر عهدها وبالاً علي المصريين. لكن ليس من حق الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية ان يسقط ثورة يوليو من تاريخ المصريين، أو أن يعتبر النضال المصري قد بدأ بتأسيس جماعة الإخوان وانتهي بصعود أحد أعضائها إلي سدة الرئاسة. ولعلي أدعو الرئيس محمد مرسي إلي التوقف امام ملاحظة تاريخية مهمة هي أن انقلاب الضباط الأحرار في 32 يوليو 2591، تحول إلي ثورة بعد 84 يوماً فقط حينما صدر قانون الإصلاح الزراعي الذي أعطي للمزارعين الاجراء المعدمين 5 أفدنة لكل منهم. وأرجو أن يوفق الرئيس مرسي في غضون المائة يوم الأولي من رئاسته إلي تدشين مشروع اجتماعي مماثل يبدل حياة الطبقات المنسحقة من أبناء الوطن، وحينها نستطيع أن نقول أن ثورة يناير انتقلت من مجرد تغيير حكم إلي تغيير حياة.