د. محمود عطية ولذلك مرت الديمقراطية بمرحلة كان الاقتراع فيها مقصورا علي فئات بعينها مستبعدة العامة والدهماء ممن يسهل التأثير عليهم عاطفيا.. واقتصر ذلك الاقتراع علي فئات من الشعب يظن انها الاقدر علي الاختيار والأجدر بوضع اصواتها داخل الصندوق مثل دافعي الضرائب.. لأن خطورة الديمقراطية أو الخشية عليها لا تأتي دائما من خارجها وإنما من داخلها.. أي من داخل صندوق الاقتراع الذي لايأتي في كثير من الاحوال بالأنسب من بين المرشحين ..! وسوابق الديمقراطية كثيرة ولعل اشهرها صندوق الاقتراع الديمقراطي الذي جاء بالزعيم النازي هتلر.. نعم هتلر النازي الاكبر جاء عن طريق صندوق الاقتراع الديمقراطي بعد ان فتن الشعب الالماني بخطبه الرنانة وتحذيراته من الخطر الشيوعي.. وما هي إلا سنوات بعد صعوده لسدة الحكم حتي روّع العالم وارتكب افظع المجازر البشرية بعنصريته وبظنه انه اكبر من المانيا ولا يسعه غير العالم..! وصندوق الاقتراع الديمقراطي الحر بعد ثورة يناير قادنا للخيار بين جمهوريتي الخوف.. جمهورية الخوف العائدة مع رمز النظام السابق بديكتاتوريته.. وجمهورية الخوف الاخوانية بما تحمله من فكر تسلطي يخيف قطاعات كبيرة من أبناء الأمة.. وجمهورية الخوف العائدة من رحم النظام السابق الأولي تحمل ذكريات أليمة لاتزال شاهدة علي عصر جمع بين دفتيه كل مظاهر التخلف تحت بريق التكنولوجيات الحديثة.. وأطلق علي تخلفه البادي لنا جميعا الحكومة الذكية..! وجمهورية الاخوان المخيفة بما تحمله من فكر أصولي قادر علي الحشد وليس علي التفكير ولا يري أي خير في العالم إلا فيمن اتبع فكر الجماعة ونهج نهجها وبايع المرشد في السراء والضراء وبتاريخها الطويل في محاربة حرية الفكر والابداع والسياحة بدعوي المحافظة علي العادات والتقاليد.. وبالنظر لكثير من المستجدات في العالم بعين البدعة والضلالة التي يجب اقامة الحد عليها إعلاء لكلمة الله كما يتوهمون ويظنون .. ! والأكثر دهشة هي الحرب المتبادلة بين الجمهوريتين ومحاولة تخويفنا عمدا علي لسان رموز الجمهوريتين فجمهورية النظام السابق الصقت بالإخوان تهم الاشتراك في قتل الثوار والمشاركة في معركة "الجمل" هذا عدا التخويف من إرجاع المجتمع لاحقاب زمنية ولت.. وحملها مشروعات كلامية وشعارها "النهضة" الذي لايحمل سوي امنيات بلا خطط فعلية.. وترويع الاقباط والعاملين بالسياحة والفن والتآمر علي فكرة المواطنة وجعل مصر إمارة. ثم تخويف جمهورية الاخوان من عودة جمهورية الديكتاتور بعد ان ثرنا عليه وما سوف تحمله من عودة للقمع والسحل وحماية الفساد والتستر علي رجال الاعمال الذين ينفقون ببذخ علي حملة جمهورية النظام السابق التي تحاول القضاء علي الثورة وأهدافها بتنصيب أحد رموز النظام السابق ومن لفظته الجماهير علنا وسط ميدان التحرير وساهم في معركة الجمل بالصهينة علي ما حدث وكان رئيسا للوزراء في عهد الرئيس السابق... كل ذلك وكان المطلوب التصويت لجمهوريتي الخوف .. وهكذا قادتنا الديمقراطية للتصويت مكرهين بين خيارين مخيفين يلوحان امامنا كخفافيش تروعنا في الظلام. فصندوق الانتخاب دائما أعمي وينحاز بلا هوادة للأكثرية النسبية.. وليست دائماً هذه الأكثرية تفهم حقيقة ثقافة الديمقراطية من تقبل الاخر وفكرة المواطنة والدولة المدنية التي تحمي الجميع دون تفرقة من دين أو جنس أو عرق. ومع ذلك لابد من تجرع وبامتثال اخلاقي نزيه ما جاد به صندوق الاقتراع ولو كان ضد رغباتنا.. مع الاقتناع بأن ثمة مسافة تاريخية لابد من اجتيازها للوصول بالديمقراطية الي محتواها الإنساني الحقيقي لصالح الشعب وفكر المواطنة.. والتصويت لأحد جمهوريتي الخوف بداية مخاض ديمقراطي حقيقي لابد من اجتيازه .. !