داود الفرحان في أغنية "القدس العتيقة" تقول جارة القمر فيروز: (خَلّي الغنية تصير.. عواصف وهدير)..(يا صوتي ظَلّك طاير.. زوبع بها الضماير).. (خَبّرهن عللي صاير.. بلكي بيوعي الضمير). لحسن الحظ فان أكثرية الناس الساحقة هم من أصحاب الضمائر الحية. وهي نعمة كبري من نعم الخالق علي البشر. والاقلية القليلة تمثل أصحاب الضمائر الميتة. وعربياً فإن صاحب الضمير هو الانسان الصادق الأمين المؤمن العطوف البار الصالح الذي يرفض كل ما اصطلحنا علي تسميته بالفساد والكفر والجريمة وما يدور في دائرتها. ولكلمة الضمير مرادف آخر في اللغة العربية هو "الوجدان". وتعتبر شتيمة "ضميرسز" أو "وجدان سز" من أقسي الشتائم في العراق ودول الخليج العربي. وحرفا "سز" يعنيان باللغة التركية "بلا" أي "بلا ضمير" و"بلا وجدان" علي غرار ما كانت المرحومة ماري منيب تقوله للمبدع الراحل عادل خيري في مسرحية "إلا خمسة": "أدبسز" أي غير مؤدب! وقد توصل علماء جامعة "هارفارد" الاميركية الي نظرية مفادها أن تكون حي الضمير، أو تعمل بما يمليه الضمير أكثر فأكثر، قد يمثل فرصتك لصحة أفضل وحياة أطول. ومع ذلك أمامنا أمثلة كثيرة عن أصحاب ضمائر ميتة لا يزورهم الموت إلا في أرذل العمر. بل ان الموت لا يتذكرهم مثل السفاح الصهيوني شارون الذي يعيش منذ عام 2006 علي الأجهزة التي تنظم تنفسه في غيبوبة كاملة حتي كاد أن يتعفن. وهناك الكثير من النظريات التي تدور حول أنماط الشخصية التي تتأثر طبعاً بالطبيعة من حولنا والجمال والقبح والمناخ والمجتمع والتراث والوراثة والثقافة. وتُصنّف أبرز تلك النظريات أنواع الشخصية في خمس مجموعات هي: نمط شخصية القبول ونمط الشخصية الحية الضمير (يقظة الضمير) والشخصية الانبساطية والشخصية العصابية والشخصية الانفتاحية. وهذا المقال ليس درساً في النظريات العلمية، فأنا لا أزعم انني خبير في السلوك البشري وأستطيع قراءة الضمائر، ولذلك أتعكز علي العلماء الذين يقولون ان الشخصية تنشأ في الطفولة ويستمر نموها في مرحلة المراهقة. ومع هذا فإن الشخصية ليست قالبا من الحجر، إذ إن ظروفا معينة تؤدي إلي ظهور سمات مختلفة في شخصية الفرد. كما أن الشخصية تتغير مع تقدم العمر. وقد أظهرت الدراسات أن الانفتاح يبلغ ذروته في مرحلة الشباب، بينما يصبح أكثر الناس من ذوي الضمير الحي بعد تقدمهم في العمر وإعلانهم التوبة عما مضي! ويؤكد العلماء أن نمط الشخصية الذي يترابط أكثر من غيره من الأنماط الأخري مع التمتع بصحة جيدة هو نمط "الشخصية الحية الضمير". وقد وجدت إحدي الدراسات أن الأشخاص الذين تم تقييمهم في عمر ثماني سنوات من قبل آبائهم ومدرسيهم بأنهم من ذوي الضمائر الحية يكونون من الأشخاص الأطول عمرا. واستدرك لأقول ان هذا لا يعني ان كل كبار السن ذوي ضمائر حية.. فبعض هؤلاء يتزوج بنات في عمر حفيداته! وقد يكمن التفسير البديهي للارتباط بين الأشخاص من ذوي الضمير الحي وبين صحتهم الأفضل، في وجود عادات صحية أفضل لديهم. وقد قادت بعض الدراسات إلي مثل هذا الاستنتاج، إذ ظهر أن الأشخاص من ذوي الضمير الحي يميلون إلي الالتزام بالعادات الصحية في الطعام والنوم والعمل. وبينما يمكن أن يدمر التوتر الصحة، فإن بمقدور الشخصية ذات الضمير الحي أن تتفادي الوقوع فيه. بينما تنجذب الشخصية العصابية نحوه. كما أن الشخصية ذات الضمير الحي قد تكون ناجحة في بلورة خياراتها المهنية وصداقاتها واستقرار الزواج والكثير من جوانب الحياة الأخري التي تؤثر في الصحة والعمر. ومع احترامنا لعلماء جامعة هارفارد وهي تحتل قمة الجامعات الرصينة في العالم، فإن الموضوع يثير تساؤلات عديدة من بينها: هل أدي ازدياد الأمراض الي زيادة في أعداد أصحاب الضمائر الميتة؟ وهناك من يتساءل: كيف انقلبت هذه النظرية في الوطن العربي وصار أصحاب الضمائر الحية هم المصابون بالكآبة والضغط والسكري والقلب، بينما أصحاب الضمائر الميتة يتربعون علي كراسي الحكم ويستمتعون بالرفاهية والثروة والسلطة؟ وبعيداً عن كراسي الحكم يمكن ان نشير الي مهن تتصل بحياة الناس مثل بعض المقاولين والمصلحين والسباكين والكهربائيين والسماسرة. ولماذا تكثر الضمائر الحية في المجتمعات الفقيرة؟ ولماذا يكتب صاحب عربة الفول علي عربته: القناعة كنز لا يفني؟ وقبل كل ذلك: لماذا لا يتذكر أصحاب الضمائر الميتة الله سبحانه وتعالي الا حين يدركهم الموت في بروجهم؟ يا صوتي ظلك طاير.. زوبع بها الضماير.. خبرهن عللي صاير.. بلكي بيوعي الضمير؟ هل حقاً ما تقوله قعدات المقاهي وطوابير أي حاجة: ناس ما لهاش ضمير؟!