تنص وثيقة إعلان الدستور المصري الصادر عام 1971 في ختامها علي ما يلي : نحن جماهير شعب مصر تصميماً وعرفاناً بحق الله ورسالاته وبحق الوطن والأمة وبحق المبدأ والمسئولية الإنسانية . وباسم الله وبعون الله نعلن في هذا اليوم الحادي عشر من شهر سبتمبر سنة 1971 أننا نقبل ونعلن لأنفسنا هذا الدستور مؤكدين عزمنا الأكيد علي الدفاع عنه وعلي حمايته وعلي تأكيد احترام الدستور . ومضمون هذا الإعلان أن الشعب هو مصدر الدستور وأن حمايته وتأكيد احترامه هو بالأساس من مسئولية الشعب وواجبه . وإذ يعرض الدستور في أبوابه ومواده لسائر السلطات التي يقوم عليها نظام الدولة وعلي الأخص السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية فان المحتوي لكل سلطة منها أن تؤدي واجباتها في حدود الدستور وما ينبثق عنه من قوانين باعتبار أن الدستور هو القانون الأسمي الذي يعرف بأنه أب القوانين . وإذ يعرض الدستور في الباب الخامس منه لنظام الحكم فانه يستهله بالفصل الأول عن رئيس الدولة فينص في المادة (73) علي أن رئيس الدولة هو رئيس الجمهورية ويسهر علي تأكيد سيادة الشعب وعلي احترام الدستور وسيادة القانون وحماية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية ويرعي الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها في العمل الوطني " . ثم تأتي المادة (79) لتؤكد علي مسئوليات رئيس الجمهورية والتزامه باحترام الدستور والقانون في صيغة القسم الذي أوجب عليه الدستور أن يؤديه قبل مباشرته مهام منصبه ونصه : " أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً علي النظام الجمهوري وأن أحترم الدستور والقانون وأن أرعي مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ علي استقلال الوطن وسلامة أراضيه " . ثم ترد المادة (85) لتبين أن انتهاك الدستور والقانون من قبل رئيس الجمهورية جرم يمكن أن يرقي إلي الخيانة العظمي التي توجب وقفه عن العمل ومحاكمته أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها . ومن المفيد أن يكون قارئ هذه السطور علي بينة من نص المادة (85) المتعلقة بمحاكمة رئيس الجمهورية وهي كما يلي : " يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي أو بارتكاب جريمة جنائية بناءً علي اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب علي الأقل ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ويوقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الاتهام ويتولي الرئاسة مؤقتاً نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية وذلك لحين الفصل في الاتهام وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب وإذا حكم بإدانته أعفي من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخري". ومن الواضح أن الغاية التي تغياها الشعب وهو مصدر الدستور وحاميه من إيراد نص المادة (85) هو توفير الحماية للشرعية الدستورية من عدوان رئيس الجمهورية عليها ، وهي الحماية التي ظلت حبراً علي ورق بعدم إصدار القانون المنظم لتشكيل المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية وبيان إجراءات المحاكمة أمامها وتحديد العقوبات التي تقضي بها . وقد كان حرص رئيس الجمهورية المتنحي واضحاً علي الحيلولة دون تحقق قيام الآلية التي تتيح لمجلس الشعب القيام بواجبه في اتهامه ومحاكمته عن إخلاله بواجباته وانتهاكه للدستور ، وذلك بتزوير انتخابات مجلس الشعب علي النحو الذي يحول دون وجود الثلث اللازم من أعضائه لتوجيه الاتهام إليه وفق نص المادة (85) من الدستور . ولقد تمادي رئيس الجمهورية المتنحي في ارتكاب جريمة انتهاك الدستور إلي الحد الذي سولت له نفسه أن يعصف بنصوصه عصفاً فاضحاً بتعديل مادتيه ( 76، 77) تمهيداً لتوريث نجله مصر لتكتمل بذلك جرائمه التي مهدت لقيام ثورة الخامس والعشرين من يناير وإذا كان أعضاء الحزب الوطني المنحل في برلمان 2005 قد أحالوا بأغلبيتهم التي تتجاوز الثلثين دون تحقق وجود نسبة ثلث الأعضاء اللازمة لتوجيه الاتهام إلي رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي الوارد ذكرها في المادة (85) من الدستور ومن ثم وقفه عن العمل ، فقد شاركهم في هذا التقصير باقي أعضاء المجلس وعلي الأخص نواب الأخوان المسلمين الذين لم يحاولوا ولم يفكروا في أن يشرعوا في وجه النظام المتغول علي الدستور سيف الاتهام الوارد في المادة (85) من الدستور : ولو أن نواب الشعب الموصوفين بأنهم معارضة في برلمان 2005 شرعوا هذا الاتهام وألحوا عليه واجتمعت كلمتهم حوله لفتحوا الطريق بالدستور لحماية الدستور - عن طريق واحد منه احتمالان : أن تستدعي وقفتهم في حماية الدستور تأييداً ثلة من أعضاء المجلس الآخرين لمناصرتهم بما يحقق وجود الثلث من الأعضاء اللازم لاتهام الرئيس ووقفه عن العمل . أو أن يهيئ أعضاء المعارضة بوقفتهم لحماية الدستور الأساس الدستور هوض المؤسسة العسكرية بواجبها في التصدي لرئيس الجمهورية وإلزامه باحترام الدستور . ذلك لأن حماية الدستور من الانتهاك واجب أصيل من واجبات حماية كيان الدولة ، وأمانة مقدسة في أعناق سائر المؤسسات وعلي رأسها المؤسسة العسكرية .